العالم

هل تريد تركيا القضاء على داعش.. أم تخدع أمريكا؟

«العدو الصديق» دفع إردوغان لأن يقطع وعدا لترمب قد لا ينفذه

هل تريد تركيا بالفعل القضاء على فلول داعش في سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية، أم إنها لعبة مزدوجة لخداع أمريكا والقضاء على حزب العمل الكردستاني المناوئ، عملا بالمبدأ الشرقي الشهير «عدو العدو صديق»، فكلاهما «تركيا وداعش» يحاربان الأكراد.

تقرير حديث لمجلة فورين بوليسي يؤكد أن التنظيم المتطرف استجمع قوته مجددا في مرحلة حاسمة من الصراع، بعدما أعلن ترمب قراره المفاجئ عقب محادثة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، غرد ترمب على تويتر بالقول «الرئيس التركي أبلغني بحزم أنه سيقضي على ما تبقى من داعش في سوريا»، لكن بصرف النظر عما تقوله أنقرة علنا، هناك مشكلة أساسية في هذا الطرح. فكثيرا ما أظهرت تركيا ترددا في مواجهة داعش بشكل مباشر، وأن إردوغان قد لا يفي بوعده، بل يركز على مساعدة حزبه في الانتصار خلال الانتخابات المحلية في مارس المقبل، وتعزيز شعبيته كقائد عسكري قوي.

لعبة تركية مزدوجة

على مدار سنوات طويلة، كانت تركيا تقوم بلعبة مزدوجة، هدف إردوغان إلى منع الأكراد السوريين من تعزيز قوتهم، وإنشاء ممر مواز للحدود التركية الجنوبية، وكان القضاء على داعش في سوريا وشبكاتها داخل تركيا أولوية ثانوية تم تجاهلها في كثير من الأحيان.

ومع ذلك، ولأن داعش وجد موطئ قدم له في تركيا، فإن القرار الأمريكي الأخير بالانسحاب من سوريا يمكن أن يقوي التنظيم، مما يعرض الجنود والمدنيين الأتراك في الداخل للخطر، ويسمح للمجموعة بالعودة إلى سوريا.

لا تزال حدود تركيا آمنة رغم أن داعش يعمل على بناء قاعدة لوجيستية قوية بها، فمع الاتصالات الحديثة والمواصلات وصلاتها مع الاقتصاد العالمي، تعد بلدا مثاليا لكي تستغله مجموعة إرهابية كقاعدة أو مركز لوجستي، لكن أجهزة الأمن والاستخبارات التركية لها موارد محدودة، ولا تزال موجهة في المقام الأول نحو محاربة حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة تعرف تركيا جيدا وتحاربها منذ نحو أربعة عقود.

إحدى الحجج الرئيسة التي قدمها إردوغان، ونقطة الخلاف بين أنقرة وواشنطن منذ بداية التدخل الأمريكي في سوريا، هي أن وحدات حماية الشعب والميليشيات الكردية كقوة رئيسية في مواجهة داعش، هي امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا تنظيما إرهابيا، وبما أن الولايات المتحدة كانت تدعم وحدات حماية الشعب باعتبارها العنصر الأساسي في قوات سوريا الديمقراطية، فهي في نظر أنقرة ترعى الإرهاب، وهذه الرسالة لها صدى لدى أنصار إردوغان، ولكن لأن وحدات حماية الشعب هي القوة الأكثر فعالية ضد داعش فإن الولايات المتحدة لا تكترث بانتقادات أنقرة.

الحرب على جبهتين

تواجه تركيا مشكلة على جبهتين، إذ يتعين عليها القضاء على داعش في سوريا، وتفكيك خلايا التنظيم الصغيرة المتحصنة بالفعل في تركيا، فبعد الهجمات البارزة في أنقرة وإسطنبول وغازي عنتاب على مدى السنوات القليلة الماضية، أثبت تنظيم داعش قدرته على الوصول والانتشار.

وفيما يتعلق بالقضاء على التنظيم في سوريا، تفتخر تركيا بوجود جيش هائل في الشمال السوري، لكن حتى مع قيام داعش بمحاصرة المدن والقرى الصغيرة على طول وادي نهر الفرات الأوسط، لم تكن الولايات المتحدة قادرة على القضاء التام على بقايا التنظيم، ويأتي انسحاب الولايات المتحدة وسط موجة من التقارير تفيد بأن تنظيم داعش يخطط لمعركة طويلة ويستعد لشن تمرد في معقل السنة في شرق سوريا.

عدو العدو صديق

سيكون من الصعب محاربة داعش بعد أن أقالت أنقرة عددا من قيادات قوات الأمن التركية منذ أواخر عام 2013 عندما أطلقت تحقيقا في مكافحة الفساد، وبعد محاولة انقلاب فاشلة في يوليو 2016. وأدى عدم الاستقرار إلى خلافات بين الجيش والقيادة الاستخباراتية، وتخلصت الحكومة التركية من مئات الآلاف من الموظفين العموميين في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الشرطة وضباط الجيش والمدعين العامين والقضاة، ونتيجة لذلك، بقيت الدولة مع موظفي مكافحة الإرهاب والاستخبارات غير المدربين بشكل كاف، وغالبا ما يعانون من عيوب تشغيلية خطيرة ويرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبدلا من اتباع نهج أكثر شمولا، كانت سياسة إردوغان الأمنية إما فيما يتعلق بمحاربة الأكراد أو محاربة داعش، وكانت الإرادة السياسية من جانب الحكومة التركية لمواجهة تنظيم داعش تفتقر لكثير من الأمور، وهو أمر مثير للقلق إلى حد ما في ضوء العمليات التي أطلقتها داعش على الأراضي التركية، وتشمل هذه الهجمات الكبرى مثل حادث مطار أتاتورك في يونيو 2016 في إسطنبول أو الهجوم على ملهى رينا الليلي في يناير 2017.

ظاهريا، ينبغي أن تكون لتركيا مصلحة في اقتلاع جماعة إرهابية من أراضيها، لكن في الشرق الأوسط لا يزال ينظر إلى عدو العدو على أنه صديق، لذلك ينظر إلى داعش على أنه مصدر عمق استراتيجي ضد الأكراد، على غرار الطريقة التي تستخدم بها المخابرات الباكستانية يعتمد الجيش على طالبان، على الرغم من الهجمات التي وجهت ضد الأفراد الباكستانيين.

ضربات الأكراد الموجعة

لا شك أن عواقب قتال الأكراد وتجاهل داعش ستكون ذات ضرر مضاعف على الأتراك، فإذا استمر إردوغان في مهاجمة الأكراد في شمال سوريا، فإنه سيحول الجيش التركي إلى قوة احتلال، مما قد يدفع المسلحين الأكراد للانتقام.

وعلى مر السنين، ضرب الأكراد بشكل موجع في قلب تركيا، ففي صيف 2015 قتل متشددون أكراد جنديا تركيا وأصابوا العديد من الأشخاص الآخرين في أديامان، في حين قتل شرطيان بالرصاص في سيلانبينار، لذا فمع انتشار القوات في بلد آخر، فضلا عن التحقيقات وعمليات مكافحة الإرهاب الجارية ضد الإرهابيين الأكراد داخليا، من المشكوك فيه إلى حد كبير أن يتمكن إردوغان من الوفاء بوعده لترمب بالقضاء على ما تبقى من داعش في سوريا.

لم تكن تركيا جادة في حربها على داعش، وغالبا ما كانت ترسل رسائل متضاربة إلى الأصدقاء والأعداء على حد سواء، فقد انخرط ما بين 8 آلاف و10 آلاف تركي للقتال في صفوف الإرهابيين في سوريا والعراق منذ بداية النزاع.

ومن المقرر أن تجري تركيا انتخابات محلية في 31 مارس 2019 الحالي، ويعتقد أن السياسة الداخلية هي مبرر رئيس لمنطق إردوغان عندما أعلن لترمب أن تركيا ستبدأ عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية.

استخدام الجيش السوري بالحرب

سيكون من الصعب على تركيا محاربة داعش بفعالية، إذ تقع غالبية جيوب داعش المتبقية على بعد أكثر من 300 ميل من حدود تركيا، وبالتالي يكاد يكون من المستحيل بالنسبة للجيش التركي وحلفائه المحليين الوصول إلى هذه المناطق للقتال بفاعلية ضد داعش والسيطرة الكاملة على هذه المنطقة.

يعتمد إردوغان على الجيش السوري الحر في المناطق التي يحتلها، ولعله يخطط لاستخدامه خلال هجومه المنتظر، ولكن هناك مجموعة من القضايا المعقدة التي يجب وضعها في الاعتبار، فالجيش الحر قوة غير منظمة، وهناك تقارير عن الفظائع التي ترتكبها هذه القوات من نهب وسرقة للسكان المحليين.

وما يثير القلق أكثر أن بعض مقاتلي داعش انضموا إلى الجيش السوري الحر وصعدوا إلى مناصب قيادية، على سبيل المثال: سيف أبوبكر قائد فيلق حمزة في الجيش السوري الحر، هو عضو سابق في داعش من مدينة الباب. كما أن عددا من مقاتلي داعش يخدمون الآن في الميليشيات المدعومة من تركيا كقادة.