تفاعل

مرت سنة.. القط العسيري في اليونيسكو

عبدالرحمن العيدان
في التاسع من ديسمبر من العام الماضي، لم تكن تعلم فاطمة ذات التسعة أعوام، إحدى فتيات مدرسة رجال ألمع للبنات، أن رسم أناملها سيشارك في تسجيل ملف فن القط العسيري لدى اليونيسكو من خلال الهدايا التي أعدتها فتيات تلك المدرسة للتوزيع على وفود الدول المشاركة في الاجتماع السنوي الـ 12 للجنة صون التراث الثقافي غير المادي.

لم تكن فاطمة الصغيرة سوى نسخة مصغرة من المرحومة فاطمة أبوقحاص سيدة القط الأولى التي خطت بأناملها أساس وجماليات القط العسيري الأصيل، وكعادة القامات لا يكرمون إلا بعد رحيلهم، وأظن أن تسجيل القط العسيري لدى اليونيسكو أكبر تكريم لها.

بين فاطمة الأولى وفاطمة الصغيرة كان رحم عسير ولادا فأنجب فاطمات كثيرات، فاطمة يافع، جميلة ماطر، عفاف دعجم وأخريات. لكل واحدة من سيدات القط العسيري قصة تستحق أن تروى وتفرد لها صفحات الصحف وبطون الكتب، لم تكن بيئة القط العسيري أنانية منفردة، بل كانت متأثرة مؤثرة، فمثلما أثرت بتكوين أصباغه من الشجر والحجر، فقد تأثرت بظهور أدباء وشعار وكتاب آثروا الفضاء العسيري بألوان الكلمة الزاهية.

كان أهل عسير فخورين مزهوين بالقط العسيري أو كما يحلو لبعضهم تسميته بالنقش أو الزيان أو القطاط الذي طالما كان فنا مؤثرا ومتأثرا وكريما ومعطاء، ولم تكن رحلة البحث الأولى في مسيرة القط كأي ملف آخر ذات بيروقراطية متباطئة، بل كانت ديناميكية وغير تقليدية، رحلات فريق العمل لمقابلة سيدات القط العسيري بجانب ثرائها التاريخي والفني كانت ممتعة في سماع قصائد الأدباء ومشاهدة صور المبدعين.

وعلى الرغم من أن اليونيسكو مقرها في باريس، إلا أن مدن الاستضافة السنوية للتراث السعودي المسجل عالميا قد تنوعت، فناميبيا للعرضة وإثيوبيا للمزمار، وأخيرا كوريا للقط وبالتحديد جزيرة جيجو، حيث لم يكن الزمان ولا المكان اعتياديين، فقلوب العسيريين كانت معلقة بتلك الرحلة تدعو وترجو وتأمل أن يدرج فنهم على قائمة التراث العالمي.

متأكد من وجود مناطق مشابهة في وطننا الكبير، لكني وقد لا أكون محايدا أحببت هذا الفن (الملف) أكثر من أشقائه أو شقيقاته، أحببته فنا جميلا وأحببت أهله أكثر منه.

اليوم مرت سنة على تسجيل القط العسيري لدى اليونيسكو فشكرا للقط، شكرا عسير، جبالها، سراتها، عقباتها، مجتمعها، أميرها، مسؤوليها، شكرا سيدات القط، شكرا فاطمات القط، شكرا شركاءنا في «نحن تراثنا» ووزارة الثقافة والإعلام والمندوبية الدائمة لدى اليونيسكو، أخيرا شكرا وتقديرا للزميلتين خبيرتي ملفات اليونيسكو في «نحن تراثنا» رهاف قصاص وابتسام الوهيبي.