البلد

العصامي سليمان الراجحي.. منظومة القيم

رموز وطنية

في طفولته كان رجل الأعمال الشيخ سليمان الراجحي ينتقل من نخلة إلى أخرى عبر التعلق بالعسيب حتى لا يهدر الوقت بالنزول والصعود مرة أخرى لجني التمر، فيما يبرر سلوكه هذا بأنه إمعان في الحرص على أمانة الوقت في عمله كأجير، وهو بعمر 12 عاما، مسؤولا عن جمع التمر، وبراتب شهري قدره 6 ريالات.

وقف هذا الحرص، الذي يبدو للبعض من المبالغة، وراء الكثير من القرارات التي اتخذها الراجحي في حياته، وكشفت عن جوانب حب الخير الكامنة في شخصيته، واهتمامه بأسرته ووطنه وأمته، بل وحرصه على الإخلاص في العمل الذي ساهم بتسجيل اسمه ضمن قائمة «فوربس» لأثريا العالم، بثروة تصل إلى نحو 8 مليارات دولار، وهو ذات الحرص الذي دفعه عام 1977م لتقبل خسارة نحو مليار ريال؛ لتصحيح الأخطاء التي تشوب خط إنتاج الدواجن، ويقول في ذلك «قاومت وتقبلت الخسارة الكبيرة حتى لا أغش المسلمين»، فيما نجح لاحقا في تأسيس وتطوير عمل ناجح في مجال الدواجن، يشغل نحو 8 آلاف عامل.

العصامي سليمان بن عبدالعزيز الراجحي، الرمز الوطني في المجال الاقتصادي، ومؤسس أحد أكبر المصارف السعودية، ومنذ أن دخل سوق العمل وهو في العاشرة من عمره؛ عمل وفق فلسفة يعبر عنها بقوله «استخلفنا الله في المال، وخلقنا لنعمر الأرض، وهذا ما يعني وجوب إدارته فيما يرضي الله بالمصداقية والحرص».

في بداياته الكادحة، مارس الراجحي الكثير من الأعمال، حمالا وقهوجيا وطباخا وبائعا للكاز، إلا أنه احتفظ في كل تلك المراحل بعزة النفس التي كانت تفضل العمل كأجير لقاء هللات بسيطة، مقابل مد اليد بحثا عن الصدقة، حتى إنه كان يرفض الذهاب إلى «حوش المصمك»، حيث يجتمع الناس للحصول على الصدقة؛ مفضلا تلك اللقمة المغموسة بشقاء عرق الجبين، على تلك التي تأتي براحة الذل والسؤال.

لا يكاد يخلو حديث للراجحي إلا ويأتي على تلك القيم التي طرزت شخصيته وجعلته نموذجا ليس للعمل الاقتصادي وحسب؛ بل لبر الوالدين. كان يومه الكادح الذي يبدأ قبل شروق الشمس وحتى غروبها ينتهي غالبا بطفل ملقى على الأرض متوسدا كومة من الحصى بلا فراش ولا غطاء. ويؤكد «لم يكن لدي شيء أجمعه لنفسي، كان الهاجس هو كيف نساعد والدينا على أعباء الحياة»، مشيرا، غير مرة، إلى أن هذا البر هو الذي منحه البركة في المال والصحة والعمر. ويقول «ما وصلنا إلى ما نحن عليه إلا بسبب حرصنا على رضا الوالدين».

كان الشعور بالآخرين جزءا من القيم التي شكلت شخصية سيد الأوقاف، ودفعته للتخلي عن ماله أثناء حياته، مقسما تركته، وواهبا معظم أمواله للناس؛ حتى عده موقع «wealth-x» الأمريكي المتخصص بقياس تبرعات أثرياء العالم: أكرم كرماء الأرض من الأثرياء، مسجلا اسمه على رأس قائمة الأوائل الـ10 من كرماء العالم الذين يتبرعون سنويا بمئات الملايين لحل مشاكل الفقر. فيما يقدر الموقع قيمة الأموال التي تبرع بها سليمان الراجحي بنحو 5.7 مليارات دولار مقابل 590 مليون دولار يمتلكها حاليا.

الشعور بالوطن أيضا، والحرص على أمنه الغذائي؛ كانا الدافع وراء تخصيص الراجحي مشاريع عدة لتكون داخل أوقافه، ومن بينها مشروع الدواجن الذي يعمل على الوصول إلى تأمين إنتاج يفوق المليون دجاجة يوميا.

يمتلئ فضاء الانترنت بكثير من المحتوى الذي يعرض سيرة هذا الرمز الوطني الكبير، وبداياته الموغلة بالفقر والشقاء، وتلك المراحل التي شكلت إمبراطوريته الاقتصادية الكبيرة؛ لكن معظمها يغفل الحديث عن منظومة القيم الإسلامية والعربية الأصيلة المكتنزة في شخصيته، والتي شكلت عناصر النجاح الحقيقية في قصته الملهمة.

في كتابه «منظومة حياة» كتب الراجحي يقول «لقد مررت في بداية حياتي بأيام عصيبة وتجرعت مرارة الفقر والحرمان، بدا لي كل شيء مستحيلا. فقد كنت حائرا متوحدا أبحث عن طريق ولا أدري أين أضع قدمي. كانت المقيبرة وأثقال الغربة والحبال الممتدة على كتفي الطريق الوحيد لتحقيق خلاصي من الفقر، لم يكن لدي الوقت الكافي لكي أجرب كل الطرق ولا العلم الأكيد أن من سلك طريقا وصل، كنت وأنا أخوض مصارعة الظروف حمالا متجولا في أرض المقيبرة، أقلب نظري في وجوه أولئك الأثرياء المحظوظين، الذين قد تضيف هللاتهم لي أو لغيري أملا في حياة جديدة، عند ذلك أدركت فلسفة اليد القوية وغايات التعاطف الخيري».

- كان يومه الكادح الذي يبدأ قبل شروق الشمس وحتى غروبها ينتهي غالبا بطفل ملقى على الأرض متوسدا كومة من الحصى

- عده موقع «wealth-x» الأمريكي أكرم كرماء الأرض من الأثرياء، مسجلا اسمه على رأس قائمة الأوائل الـ10 من كرماء العالم

طفولة عطرها الشقاء..

كهولة طيبها العطاء..

بجملتين، كتبت سيرتك..

يا سيد الأوقاف والكرم..

يا باني المساجد..

وزارع النخيل..

يا من وهبت المال..

لله..

للإنسان..

للوطن..

لكل باب خير..

على مدى الزمن..

طفولتك..

عطرها الشقاء..

نفحة الكاز..

أرجوحة العسيب..

ولقمتك..

مذاقها الإباء..

بلذة التعب..

ودهشة النصيب..

يا سيد الإحسان والمعاني..

يا من توسدت الحصى..

ذات افتقار..

وهبت كل مالك..

عند اليسار..

علمتنا أن الحياة بألف وجه..

أن الخلود لما نجود..

وأن هذا العمر..

هذا المال..

وكل ما في الكون..فاني..

من سيرتك.. نستلهم القيم..

الحرص.. والإخلاص.. والشيم

البر.. والإخاء.. والسخاء

حقيقة الكرم