الرأي

القلم والشتات وبئس المصير..!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
ثم قررت وزارة التعليم مشكورة أن تعيد منهجي الخط والإملاء إلى المدارس بعد غيبة لا يعرف أحد إلى اليوم من ذا الذي فكر فيها ولماذا حدثت من الأساس.

وهو قرار أتمنى أن يكون نهائيا ـ أعني قرار العودة ـ وألا يأتي مجتهد جديد فيقرر أن يدمجهما مع منهجي العلوم والاجتماعيات، أو يجعلهما جزءا من منهج التربية البدنية، ثم إني أضيف ـ وفقني الله ـ أن هذه القرارات مثل الحذف والدمج والإضافة والتعديل في المناهج الرئيسية المتعلقة ببناء الأساسات التي سيعتمد عليها الطالب حتى آخر يوم يستخدم فيه عقله ويده يفترض ألا تتم إلا بعد دراسة وبحث حقيقيين، من خلال مراكز أبحاث تابعة للوزارة أو مستعينة بمراكز الأبحاث في الجامعات التي تتبع للوزارة، وهي تبعية مبالغ فيها ـ كما تعلمون. ولا أعلم هل هذا ما يحدث فعلا أم إن الأمر يتم عبر دراسة «لجان»، لأنه مع شديد احترامي للجان والمستلجنين فإن ما يصدر عنها لا يمكن اعتباره دراسة أو بحثا يعتد به في أمر مثل مستقبل جيل أو أجيال كاملة.

ومشكلة الكتابة ليست مشكلة محلية، فالعالم كله يشتكي من سطوة «الكيبورد»، لأنه ومع أنه مفيد لا تنكر فائدته ولا يجحد فضله، إلا أنه يفقد الكتابة شيئا مهما لا علاقة له بالحنين ولا بالقديم ولا بكراهية الجديد. وقد اشتكيت من هذا الأمر قبل أكثر من عشر سنوات في مقال يعج بالأخطاء الإملائية. الكتابة بالقلم واليد تلقائية لا تحتاج تفكيرا، ولذلك يكون العقل مشغولا بالفكرة والعبارة، أما عند الكتابة باستخدام لوحة المفاتيح فإن العقل يكون مشغولا بالبحث عن الحروف أكثر من أي شيء آخر. ومن غرائب ذلك أني وجدت نفسي أرتكب أخطاء إملائية ممعنة في الغباء وأتوقف للتفكير والتأكد هل هذه الكلمة مكتوبة بشكل صحيح أم لا، وجدت نفسي دون سابق إنذار لا أفرق بين الضاد والظاء في مواضع كثيرة، وهي أشياء لم تكن لتخطر في ذهني قبل أن أتعرف على الكيبورد اللعين.

وقبل بضعة أشهر عقد في إيطاليا مؤتمر عن هذا الأمر وخلصت نتائجه إلى ما خلصت إليه قبل سنوات، وهو أن استخدام لوحة المفاتيح في الكتابة يسبب تباينا بين العين وحركة اليد في الكتابة التي تنتقل من مكان إلى آخر، مما يؤدي إلى تشتيت الذاكرة.

فكيف يصبح الوضع حين يحدث هذا التشتت مع أمثالي ممن تعيش ذاكرتهم في الشتات من الأساس ودون حاجة لمبررات إضافية.

وعلى أي حال..

سعيد بعودة الغائبين، وإن كان الخط موهبة تحتاج إلى تنمية وتطوير فإن الإملاء علم يجب أن يدرس ويفهمه الطالب قبل أن يفهم غيره من المعارف، أو بمعنى أدق «لكي يفهم غيره»، وأن يتقنه أصحاب الخط الجميل وأصحاب الخط القبيح على السواء، وأتمنى أن توفق الوزارة في العثور على معلمين يحسنون الخط والإملاء ويعلمونه لغيرهم، وهؤلاء يمكن البحث عنهم بين الناجين من حوادث تحطيم المناهج الأساسية الذي حدث وتكرر في سنوات مضت.

agrni@