الرأي

حياة في المزاد..!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
بدأت أشعر بالنعاس، وبدا لي أن رأسي أثقل وزنا مما كان عليه قبل ساعات، شعرت برغبة في وضعه على المقعد الخلفي لسيارتي وإكمال طريقي. كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء، والخامسة هذه الأيام في المنطقة الشرقية تعني أنها بعد أذان المغرب بعشر دقائق تقريبا، كنت حينها عائدا إلى المنزل بعد انتهاء يوم العمل الطويل، والذي لم يكن مرهقا بقدر ما كان مملا ورتيبا، دخلت المنزل وتناولت وجبتي اليومية الوحيدة ثم نمت. أنام ساعة تقريبا ثم أصحو لأمارس ما أعتقد أنها حياتي الحقيقية بعيدا عن العمل والوظيفة، والتي لا يصعب علي كثيرا القول بأن الوقت الذي أقضيه فيها جزء من الحياة.

حين استيقظت كانت الساعة تشير إلى التاسعة تقريبا، وبدا وجه الساعة شاحبا قليلا، ثم أكتشف ـ كما أفعل كل يوم ـ أنه الوقت هو الساعة السابعة، وأن ساعة الحائط واقفة على هذا التوقيت ربما منذ أن اشتريتها قبل بضع سنوات. شربت ما تيسر من شاهي وقرأت ما اشتهيت من ورق، علمت صغاري بضع شتائم تساعدهم في مواجهة الحياة، ثم تابعت مباراة في كرة القدم خسر فيها الفريق الذي أحبه ويكرهني، ثم شاهدت فيلما وعدت للنوم مجددا.

المهم هو ماذا حدث بعد هذا؟!

في الحقيقة أنه لم يحدث شيء، هذا حدث يتكرر كل يوم، وأعلم يقينا أن كثيرا ـ إن لم يكن كل ـ ممن يقرأ كلامي الرائع ـ كالعادة ـ أعلاه سيقول وما علاقتنا بهذا الهراء؟!

هم محقون بالطبع، فهذه حياتي العادية التي لا شأن لأحد بها، والاعتراض طبيعي ومنطقي، لكن المشكلة أني واثق ـ تقريبا ـ بأن كثيرا ممن يعترض على هذا ليس لديهم أي مشكلة في متابعة حياة شخص آخر بالصوت والصورة عبر «السناب شات». وليس لدى بعض هؤلاء المعترضين مشكلة في أن يعرض حياته هو على الناس، فيخبرنا ماذا أكل وماذا شرب وكيف تناول قهوته الساخنة وشرب شاهيه البارد، وكيف تمدد على العشب في الصحراء وكيف أشعل ناره بجانب السيل. وكيف يدخل على الناس في مجلس ثم يسلم عليهم وهو يعطيهم ظهره لكي يظهروا جميعا في «الكادر».

وهذا يعني أن الاعتراض ليس على الفكرة ولكنه على الوسيلة، لا تعرض حياتك علينا عبر مقال لأنه سيكون أمرا تافها لا شأن لنا به، ولكن لا بأس في أن تعرضها مصورة بكامل التفاصيل ولن يكون الأمر مملا، سنحرص على متابعة تفاصيلك ثم نصدقك حين تغرينا بمنتج أو سلعة ونشتري ما تريد. ربما نشتمك قليلا حين تصبح مشهورا مع أننا نحن جمهورك ولكن لا مشكلة، فالمكاسب أكبر من أن تؤذيها بضع شتائم.

وعلى أي حال..

كوني لم أفهم الفكرة فهذا لا يعني بالضرورة أنها غير صحيحة، فالقاعدة هي ألا أفهم، لكن وحتى ذلك الحين الذي أفهم فيه، فإني أكره فكرة ألا يكون للإنسان حياة خاصة، ولم أستسغ فكرة أن إنسانا يستمتع بعرض تفاصيل يومه على الآخرين الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه.

agrni@