الرأي

قراءة في فنجان الحالة السعودية!

أحمد الهلالي
يقول ليجان السكمري: جلست في فقاعة قريبة من عروة الفنجان كيلا ترتشفني العرافة (تشو)، فرأيت رجلين، سحنتهما شرق أوسطية، الأول لا يعدو كرشا نبتت لها أطراف قصيرة (يدان ورجلان)، وكأنك ألقيت الرأس بلا عناية على قمة الكرش، والثاني دلقم فاطر مرّخه البهق، ملامحه عربية لولا فوضى الزغب المتناثر في تضاريس وجهه، أحدهما تتدلى حقيبة على انبعاج خاصرته، والآخر يلوك سيجارا لا يستقر على شفته الهدلاء، سلما على العرافة وجلسا.

قال الكرش للعرافة بعد أن ناولها إضبارة ملفوفة: نريد أن تدلينا على سبب فشل محاولات الكثيرين اختراق السعوديين. فأضاف الدلقم: وما الطريقة التي نستطيع اختراقهم من خلالها؟ فتنهد الكرش متحرقا: منحة الشيخ سخية، وقد سئمنا تبجح السعوديين في كل مناسبة «نحن في أمن وأمان، ولم ننخدع بالربيع العربي»! فتنحنحت العرافة، وطوت الأوراق وناولتها للكرش، ثم قالت بابتسامة «ماذا فعل بكم السعوديون؟ جاءني قبلكم مئات، كلهم يطلبون ذات الطلب، فاستمعوا لي جيدا، (الأمن والأمان) هذا التعبير السعودي هو حصن السعوديين ضد كل اختراق وتهديد لوحدتهم، أنتم لا تقرؤون التاريخ، فحين يقول السعوديون (أمن وأمان) فهم لا يعبرون بذلك دلاليا ولا لفظيا، بل هو تعبير نفسي عميق، فالأمن ممارسة والأمان شعور، فلا تضيعوا أوقاتكم، فمؤشرات (الفونغ شوي) تقول إن مخططاتكم فاشلة قبل بدايتها، والتجربة تقول: لم ينجح السابقون، ولن تفلحوا».

قال الدلقم منفعلا: لن نفشل، فالفضائيات تعمل بكفاءة، والمعارضون السعوديون يضخون عبر المواقع، وبعض الصحف العالمية تعمل بجدية عالية، وستكسر العظم قريبا، بقي ألا نضيع الفرصة، فيسحب الشيخ عرضه، المطلوب أن تدلينا على منفذ صغير فقط. فقاطعته العرافة: أنتم تجهلون الأمر، وكل أولئك مثلكم يجهلون. فامتعض الكرش وسأل منفعلا «حاجي بأه، أنتِ صينيي والا سعوديي؟ خبّرينا شو عم نجهل؟».

قالت العرافة بهدوء: ما تجهلونه أني حصّلت ثروة طائلة من سابقيكم في هذا الأمر، وحاولت جاهدة بكل أدوات (الفونغ شوي) أن أجد منفذا صغيرا، لكن القنوات التي أرشدت إليها سابقيكم مسدودة، وبعد قراءات عميقة وجدت السبب، ثم أقسمت ألا أعيد الكرّة، هل تعلمون أن جزيرة العرب منذ أن نقل الخليفة علي بن أبي طالب عاصمته إلى الكوفة لم تتوحد تحت حكم دولة واحدة، وكانت فقط تخضع لحكم الخلفاء عن بعد، لكن إنسانها منذ ذلك التاريخ عانى التهميش والفقر والجوع والجهل، وأكثر منها عانى الخوف العميق، فلم تكن الدول المتعاقبة على الخلافة تهتم سوى بمكة والمدينة، وحماية قوافل الحجاج، وبأعطيات قليلة تضمن ولاء أمراء الأقاليم وبعض مشايخ القبائل المتناحرة غالبا، وظل إنسان الجزيرة العربية نحو 1300 سنة يعاني معاناة شديدة، لم يذق طعم الحياة الآمنة المستقرة ولا رغدها، فلا يستطيع التنقل لكيلومترات قليلة إلا بمرافق، ربما سمعتم بمصطلح (الخوة) فلا بد أن تدفع لمرافق يؤمن مسيرتك من أرض قبيلة إلى أخرى، ناهيك عن السلب والنهب والثأر والنزاعات والحروب القبلية الطاحنة على الموارد والطعام.

أنتم أغبياء، تظنون عبدالعزيز ملكا كالآخرين، هو ليس كذلك، بل رآه إنسان الجزيرة العربية أكبر بكثير، فهو في وجداناتهم (المخلص)، خلصهم من الخوف والمعاناة الرهيبة، ومنحهم دولة مستقرة، وحين جادت الأرض بخيراتها عاشوا حياة رغيدة، فاكتمل (أمنهم وأمانهم) لكن وجدانهم لم ينس الجوع والجهل والمهانة التي كان أسلافهم يكتوون بنارها قرونا عدة، اعلموا أن السعوديين لا يرون الملك كما ترونه، بل يرونه أبا، هل تعرفون معنى الأبوة؟ لقد رأيت ذلك في عيونهم أثناء زيارات الملك سلمان الأخيرة بين المناطق، فلا تحلموا بتأليب أبناء على أبيهم البار، إنهم يحبونه ويحبهم بشدة، فكيف تفكرون في ذلك؟

بهت الكرش، وتشاغل بتنظيف أنفه، فقال الدلقم: أنتِ عرافة (أونطا)، فردت عليه: تذكر أنني لم أستغل أهواءك، وتذكر أن هؤلاء الناس إذا عبروا عن حالهم قالوا «أمن وأمان وطاعة رحمن» هذا التعبير النفسي العميق، يقدم الأمن على العبادة، ويدل على أنهم يعلمون جيدا ما عاناه أسلافهم. ثم قامت وقالت: انصرفا، وتذكرا قول الشاعر:

كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل!

ahmad_helali@