الرأي

مواقع التواصل الاجتماعية أوعية للتعلم والتعليم

علي صالح الخبتي
لقد حان الوقت لنأخذ زمام المبادرة ونحول مواقع التوصل الاجتماعية من شر إلى خير، في تصالح مع هذا العصر المتسارع المتضارب المتناقض الذي تسيطر عليه التقنية بقضها وقضيضها. وأقول من شر إلى خير لأن عالم التقنية وأحد أهم روادها ومخترع برنامج (جافا) الذي تستخدمه كل بنوك العالم «بل جوي» يقول في بحث مطول «إن المستقبل لا يحتاجنا (يقصد علماء التقنية) لأن التقنية قد تكون أشد دمارا من أسلحة الدمار الشامل». ونصح هذا العالم بالتصالح مع هذا العصر بدلا من مواجهته. وقال إننا لا نستطيع مواجهة العولمة، ولهذا يجب التصالح معها على الرغم مما يعتريها من مخاطر.

ومن أهم ما فيها من مخاطر ما تشكله على فكر الشباب الذين تشكل أهم وأول مصادر فكرهم، ونعرف ما يترتب على ذلك من تبعات سلبية تنعكس على حياتهم وحياة مجتمعهم وأوطانهم وكذلك العالم بأكمله، وأهم الأمثلة على ما يشهده العالم من مظاهر الإرهاب والتطرف والكراهية. ومن هنا أصبح دور التعليم بكل مكوناته وبرامجه ضعيفا، إذ لم تعد المدرسة تلعب الدور الأساسي الذي كانت تلعبه قبل عصر العولمة. وأصبح من المهم أن تعيد المدرسة تعريف نفسها وفقا لما يشهده العالم اليوم من تحولات لتملك القواعد والوسائل العلمية والتقنية التي يشهدها العالم اليوم متماشية مع متطلبات الحاضر وتطلعات المستقبل، ومتحكمة في مصادر الفكر المتدفق إلى عقول الأجيال لتكريس الإيجابي منه ووقايتهم من السلبي الضار الهدام، مستغلة الجوانب الإيجابية لهذا العصر، ومنها أن أبناء أجيالنا بمختلف أعمارهم أصبحوا قارئين نهمين! نعم قارئين نهمين يقضون على مواقع التواصل الاجتماعية ساعات طويلة يقرؤون ويقرؤون، على عكس ما كان يعرف عنا نحن العرب خاصة بأننا أمة لا تقرأ، حتى من يستمع إلى مقاطع، سواء كانت مسموعة أم مرئية هم يقرؤون.

عندما تحولنا من المادة الورقية إلى المادة الرقمية أزعم أننا أصبحنا أمة تقرأ بنهم، فمتى كان الطفل يقضي الساعات الطوال على الورق مثل الساعات الطوال التي يقضيها الآن على المادة الرقمية؟

لكن المهم هو ماذا يقرأ؟

وهنا المشكلة التي يجب أن نعالجها ليس فقط على مستوى القراءة الحرة، ولكن أيضا على مستوى مناهج التعليم، فالطفل خاصة والطلاب بشكل عام لا يقرؤون المادة المكتوبة على الورق، لهذا لا بد من تسخير مواقع التواصل وضغط مواد التعليم بشكل أو بآخر لنقدم للطلاب كبسولات علمية يستطيعون قراءتها واستيعابها. وأزعم أننا إذا لم نعمل ذلك سنتخلف عن العصر وسنندم على تأخرنا وقد يسبقنا غيرنا ثم نتبعهم متأخرين. وأتساءل: لماذا لا نبدأ نحن ويتبعنا الآخرون؟ لماذا لا نبدأ في البحث والدراسة ليكون لنا السبق في هذا الأمر؟ دعوني أضرب لكم أمثلة من الواقع، وأثبت لكم أهمية أن نبدأ في البحث عن طرق وأساليب للاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعية في التعلم والتعليم، وأهمية أن نبدأ من الآن عملية البحث في هذا الموضوع حتى لا نندم على التأخر.

المثال الذي أستشهد به هنا هو أن أطلب من كل واحد منكم أن يعطي ابنه أو ابنته الشابة نصا قصيرا لا يتجاوز بضع صفحات، ويطلب منه أو منها قراءته ثم ينظر إلى وجهه أو وجهها كيف سيتجهم من ثقل ما كلف به!

السيناريو الذي ستواجهه هو ما يأتي:

الغالب أنه أو أنها لن تقرأه، أو ستقرؤه على مضض. وإذا سألته أو سألتها عن المحتوى قد لا تجد الإجابة، حيث تمت قراءته بسرعة ودون تركيز، وإذا تمت قراءته فاطلب ذلك مرة أخرى، ستجد سيناريو أكثر ضراوة وتسويفا، وربما لا تجد استجابة. وافعل ذلك مرة ثالثة وسترى العجب! والأمر سيان لا يهم إن كان النص على ورق أو كان النص رقميا، الأمر لا يتعلق بنوعية النص رقميا أو على الورق.

إذن أين المشكلة؟

المشكلة تشكلت من الثقافة التي تم تشربها من قبل الشباب في الكتابة والتلقي لنصوص لا تتعدى 140 حرفا من قبل و280 حرفا الآن كما هو الحال في تويتر مثلا، وفي مشاهدة وإرسال فيديوهات لا يتعدى وقتها 15 ثانية كما هو الحال في سناب شات. هذه الثقافة شكلت وعلى مدى فترة طويلة ارتياحا منقطع النظير للتفاعل والأخبار والإخبار والتواصل، وأدت إلى ضمور الرغبة في التعلم والأخبار والإخبار فيما سوى هذه الأدوات. وانتقل هذا الضمور إلى المدرسة، وأزعم (وهنا نعود إلى ما دعوت إليه لعمل دراسات وأبحاث) أن الطلاب والشباب بشكل عام لم يعودوا يطيقون الكتب المدرسية أو قل لم يعودوا يحتملون النصوص الطويلة، سواء كانت ورقية أو رقمية.

فما العمل؟

العمل أن نعود إلى نصيحة (بل جوي) بألا نواجه العصر، بمعنى ألا نفرض على الطلاب بالقوة أن يقرؤوا نصوصا طويلة، وإنما نبحث وندرس بشكل علمي كيفية مصالحة العصر في هذا الجانب.

ينبغي أن نضع المواد التعليمية في كبسولات لا تتعدى الحروف والكلمات والمقاطع المصورة التي تسمح بها مواقع التواصل الاجتماعية، هنا نتصالح مع العصر، ونجاري الثقافة التي تشكلت لدى الشباب، وهنا ننجح في تسخير العصر الرقمي ومصالحته ليخدم أهدافنا بتحقيق تعلم من جانب الشباب وتعليم من جانب المؤسسات التعليمية.

هذه ليست مثالية!

إنها ضرورة تحتم علينا الإسراع ومسابقة الزمن للتصالح مع العصر.

وخلاصة القول؛ الحل في الإسراع لعمل دراسات لضغط عمليات التعلم والتعليم في كبسولات سريعة نستطيع بها مجاراة العصر، ونستطيع بها مسايرة الثقافة التي تشربها الشباب على مدى فترة طويلة من الزمن. لا مجال لصد فكرهم وتحقيق تعلم فاعل من قبلهم، وتعليم فاعل من قبل مؤسسات التعليم إلا بمجاراة العصر ومسايرته. وأقترح أن نأخذ زمام المبادرة ليتبعنا الآخرون. لا بد أن نعيد تعريف التعلم والتعليم، وتعيد المدرسة تعريف نفسها لتساير العصر الرقمي، وإلا فلتستعد للمواجهة غير المتكافئة التي سيكون مصيرها الهزيمة. أرجو أن تكون الرسالة واضحة.

alkhabti@hotmail.com