الرأي

هل الإنسان مدني بطبعه أو بتطبعه؟

مرزوق تنباك
الإنسان مدني بطبعه، هكذا سمعت وهكذا يقول الناس، مع أني لا أجدها صفة بارزة في التعامل الظاهر حتى وإن كررها علماء الاجتماع ودارسوه عند الحديث عن الإنسان الفرد مع الجماعة التي تحيط به ويتعامل معها.

وعلماء الاجتماع يقولون إن الإنسان مدني بطبعه بمعنى المدح والثناء على السلوك الراقي أحيانا وأحينا وصفا لحاله الذي يجب أن يكون عليه، وإن لم يكن كذلك، ولا شك أنهم يعنون بالمدنية صفات كثيرة تحدد الصلة الحسنة المقبولة والتوافق بين أفراد المجتمع وتعاونهم ولعل منها الانضباط بالقول والرفق بالناس والعاطفة الرحيمة نحوهم، وقد يقصدون منها غير تلك الطباع والصفات.

لكن لا شك أن هناك مداخل كثيرة لتفسير هذا المعنى حتى لو من باب الأخذ بالملاحظة العامة وما يقتضيه السياق ويستوحيه الحال، وهذا من كمال صفات الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه، ويقولون أيضا إن الإنسان اجتماعي بطبعه، وهما أهم صفتين تلازمانه في حياته كلها حين تقوم علاقاته فيمن يتعامل معهم على أسس من الاحترام وتبادل المنافع التي لا يتحقق الكثير منها إلا بالتعاون التام بين الناس واحترام بعضهم لبعض.

وهاتان الصفتان توجبان أنسنة السلوك البشري والعمل الإيجابي المحبوب وتحملان قيما ومعاني فاضلة مثل الرحمة والرفق وحسن الظن وغيرها من القيم التي تتصف بها التعاملات اللائقة المحترمة. ولو أشرنا إلى ثلاث صفات كالرفق والرحمة وحسن الظن بالناس لوجدنا أن العلاقات البينية تستقيم بها أكثر مما لو لم نجدها.

فالرفق صفة محببة في شتى صور التعامل ولهذا كان الأثر المعروف؛ ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، والحديث دعوة لرفع شأن الذين تتصف صلاتهم بطبيعة الرفق والاستئناس بها والبعد عن الصلف والقسوة مهما كان الدافع لها، ولا سيما عندما يكون الاختلاف أو المواجهة في أمر من أمور الحياة، وما أكثر ما يواجه المرء من تلك المواقف التي تحتاج إلى الرفق والتروي في الأمور كلها.

أما الرحمة فهي صفة أخرى من صفات مدنية الإنسان وأنسنته، حيث يهبها الله من يشاء من عبادة ويجعل الرحمة في قلبه، والراحمون يرحمهم الرحمن، ولا تكون الرحمة إلا في قلب مطمئن رضي تغشاه السكينة ويحبه الناس وتطمئن إليه النفس، والرحمة من القيم العليا في كل الثقافات والحضارات واتفقت الأمم على أهميتها وتربية الناشئة عليها حتى لا يخلو قلب من بشائر الرحمة وفضائلها تلك لازمة تلازم الراحمين أين كانوا.

ومن مدنية المرء حسن الظن وحمل الناس على محامل الخير والتماس الأعذار لهفواتهم، وتلك قيمة من قيم الصلاح والتقوى، وما يوجبه التعامل بين الأفراد فإذا غلب حسن الظن في التصرفات استقامت العلاقات واستمرت الصداقة، وأثمرت التربية السليمة والتنشئة الصالحة وسادت روح المحبة في المجتمع الصالح المدني بطبعه واتسعت مجالاته ودواعيه ونتائجه وما أثر فيه من الأقوال ومواقف الخير التي تغلب حسن الظن وتدعو إلى ما يبعد الشك عنهم وعن أعمالهم حتى تطيب النفس بصحبتهم وتستقر العلاقات الحسنة بينهم، فينمو الخير والصلاح في المجتمع ويعيش حياته هانئا مستقرا.

كل ما تقدم من الصفات الفاضلة لا تكتسب بالمواعظ والدعوات والأمنيات، ولكنها تكتسب بالتربية السليمة والتعليم الدائم والتدريب على الفضيلة وغلبة عامل الخير وإعلاء شأن الذين يهبهم الله حسن الظن ويبعد عنهم وساوس الشيطان وحبائله.

Mtenback@