الرأي

إيش يقولوا عننا..؟!

من المفارقات الواضحة بمجتمعنا اتباع أفراده لسلوكيات مستهجنة أجدها أخذت منحى الثوابت القطعية عند الكثيرين، وأصبحوا يعظمون الجانب العرفي فيها أكثر من الشرعي، وأقصد بالعرف هنا ما تعارف عليه الناس واتفقوا أن يتخذوه سلوكا عاديا بزعمهم، بل ويجب الانصياع إليه والامتثال لمبادئه، ويستشهدون على ذلك بالآية الكريمة «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» الأعراف 199، ويجتزئون منها «وأمر بالعرف».

نعم نحن نأمر بالعرف ونؤيده ونتفق معه وندعمه ليستمر، بشرط أن يكون محمودا ويرمي إلى خير لتصبح آثاره متعدية على المجتمع لتطغى العبادة على العادة، وتعمم المصالح العامة على الخاصة، ويقدم الخير على الشر والطيب على الخبيث، وما أقصده في هذا المقال تحديدا هو تسليط الضوء على السلوكيات والعادات المجتمعية المذمومة التي أصبحت ظاهرة منبوذة لا يرضى عنها الله سبحانه وتعالى، ولا هي بمنهج سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولا يقبل بها عقلاء المجتمع وحكماؤه.

من وجهة نظري السلوكية لأهم ثلاث عادات مجتمعية مقيتة أود أن أقف عندها وأناقشها وأستعرض مسبباتها وعلاجها من الناحية الاجتماعية والسلوكية، والتي برزت أخيرا، وهي كالآتي:

أولا، سلوكيات مراسم الزواج وعاداته، قال عليه الصلاة والسلام «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة»، فقد أصبح من العرف أن يتم التبذير بل وبلوغ القمة في الإسراف والإنفاق منذ بداية قصة الخطبة إلى نهاية خروج العريس بعروسه من قاعة الأفراح، وغالبا ما يقوم بتجهيز الميزانية المغلوب على أمره العريس، وهنا يأتي دور التباهي من ذوي العريس والعروس بفرضهم الشروط وإعطاء المعايير المجتمعية البالية منذ بدء الاتفاق على عقد القران إلى دفع المهر، وصولا إلى القاعة وشكلها وعدد المدعوين ونوعية الأكل وكميته والشد والجذب بين العائلتين، إلى أن تبدأ المشاكل في حال عدم اتفاق طرفي المعركة، وكأن الزوجين ليس لهما من الأمر شيء، ليبدأ الزوج المتهالك نفسيا وماديا حياته بالسلف والدين، ولسان القول جاهز للتراشق بين العائلتين داحس والغبراء بشعارهما «إيش يقولوا عننا..؟!».

ثانيا، سلوكيات مراسم العزاء وما يتم فعله من أهل المتوفى والمقربين له، وأسترجع المثل المصري الشهير «أهل الميت صبروا والمعزيين كفروا»، من خلال مشاهدات البذخ والمباهاة والتسابق بينهم لإحياء احتفالات الثلاثة أيام والليالي من الذبائح والطبخ على مختلف الأصناف، وتجهيز أفضل أنواع المشروبات والحلويات مع صبابين بزي موحد متخصصين في ذلك، واستئجار عدد من السجاد والكراسي الفخمة ليتم وضعها في مقدمة صفوف المعزين لعلية القوم، وفي بعض المجتمعات يأتون بالمقرئين لتلاوة آيات من الذكر الحكيم أثناء تقديم واجب العزاء وأغلبهم منشغلون في أمور الدنيا ويتحدثون فيما بينهم دون إنصات للآيات أو مراعاة للنفسيات، ناهيك عن التفاخر بين المقربين بما أحضروه وما قاموا به من باب الرياء والسمعة والنفاق المجتمعي، والطامة الكبرى ما يصدر من بعض النساء والعياذ بالله من التبرج في الشكل والملبس واتباعهن سلوك «ماكياج العزاء» الخاص بهذه المناسبة، لإضفاء الوجه الحزين على محياهن، ناسيات أو متناسيات الأهم، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام «اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم»، ويخاطب في ذلك المقربين من أهل الميت آمرا وحاثا لهم لمواساتهم وتفقد حاجاتهم ومساندتهم والتخفيف عنهم والوقوف إلى جانبهم، لا الإثقال عليهم وصرفهم عن مصابهم، وعندما تضطر أحيانا لنصحهم فيما يفعلون لعلهم يتذكرون، يقوم أجهل القوم من بينهم ويلقي بالعبارة الشهيرة «إيش يقولوا عننا.. ؟!».

ثالثا، سلوكيات الاحتفال بالمناسبات العامة بين العوائل والأصدقاء، مثل الاحتفال بأعياد الميلاد ومناسبات العقيقة والاحتفال بالترقية والزيارات العائلية وغيرها، وما يحدث في المناسبات التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، قال تعالى «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماط، الفرقان 67، فالرحمة في التواصل المجتمعي وديمومة الود والتآلف والتآخي بين أفراده، والتي حثنا عليها ديننا الحنيف من خلال صلة الأرحام وزيارات ذوي القربى وكسب الأجر في إطعام الطعام والحرص على تلبية الدعوات، وإذا انحرف أفراد المجتمع عن المغزى الأساسي من تلك المناسبات غاب عنها الاعتدال وضاعت منها العقلانية وظهر العذاب وهو الإسراف والتبذير، بإقحام رب البيت أو من يتولى شؤون المنزل بإحراجه أحيانا لبذل المزيد ماديا ومعنويا، خاصة إذا كان موظفا متوسط الحال ينتظر راتبه آخر الشهر لمجاراة أعراف مجتمعية زائفة تكون مرهقة على كاهل الأسرة التي قد يحتاج أحد أفرادها لهذه الأموال المصروفة على تلك المناسبات، والتي تجبره على المجاملة وتقوده للاقتراض، وبالتالي ينتقل الأمر من لم الشمل وتطهير القلوب وتأليفها وكسب الأجر إلى شحن القلوب وتفكيكها ورسم ملامح الضجر، جراء استنزاف الجهد في كيفية التوفير وطول التفكير لتجهيز مبالغ ما أسميه هياط المناسبات والزيارات، وسد فجوة المتطلبات من العادات.

رسالتي إلى مجتمعي بأن ننضبط ونستقيم وندرك أن الأهم «إيش يقول عننا رب الناس.. ؟!»، ولا يهم «إيش يقولوا عننا الناس..؟!».

Yos123Omar@