الرأي

إنه قرارك الشخصي، لا علاقة لي بالأمر!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
انتابني إحساس لا أعلم مصدره ولا كيف تسلل إلى عقلي بأنكم سعداء، وتسعون في مناكب الأرض المبتلة بدموع السماء وتعيثون في بطون الأودية والشعاب تطاردون الحنين المنبعث من رائحة الطين، جدنا جميعا الذي نسيناه حين قطعنا صلة التراب الأزلية. وصلة التراب مرحلة سابقة لصلة الرحم، ومن قطع الثانية فهو للأولى أقطع.

المهم أن هذا الشعور بسعادة الآخرين قد أقلقني، فالسعادة بوابة الشقاء، وحين تكون سعيدا جدا فإن هذا يعني حتما أنك لن تكون كذلك حين تنتهي اللحظة، وحتى تتجنب لحظات التعاسة والاكتئاب التي تلي لحظات السعادة فإنه من الأفضل ألا تكون سعيدا من الأساس. فالسعادة هي الباب الذي يأتيك منه الحزن فأغلقه واسترح كما يقال في الأمثال.

أذكر أني في زمن مضى حقدت حقدا شديدا على أحدهم حين حضر زواج أخي ثم أمسك بالميكروفون يحدثنا عن الموت وأن صلاة العشاء التي سنصليها بعد قليل قد تكون آخر صلاة في حياتنا، لم يكن حقدي بسبب أنه يقول معلومات غير صحيحة، ولكن لأنها معلومات صحيحة في المكان والزمان الخاطئين. وقد كنت مقتنعا بأن قيمة المعلومة وأهميتها تكمنان في التوقيت، التوقيت هو أهم شيء في المعلومات، معلومة بعد وقتها لا تعني شيئا، وقبل وقتها قد تفسد كل شيء، لكنها تكون في أعلى درجات سلم الأهمية حين تكون في الوقت المناسب. كنت واهما وأظن أني بدأت أفهمه الآن وأتمنى أن أجده لأعتذر له عن أحقادي السابقة التي كان سببها طيشي وعدم فهمي لآليات السعادة.

تعلمت الآن ـ بعد أن كبرت وعقلت واهتديت ـ أن كل معلومة جالبة للنكد هي في التوقيت المناسب، كل الأوقات والأماكن صالحة للمعلومات السيئة الطاردة للفرح. وهذا ما يميزها عن المعلومات الجالبة للسعادة التي قد يفسد التوقيت أو المكان قيمتها ويجعلها معلومة بلهاء لا معنى لها.

هل أبدو سيئا متشائما قبيحا وأنا أدعوكم للنكد، وأن تسعوا إليه وتفروا من السعادة فراركم من المجذوم؟

ربما أبدو كذلك، لكن ليس لأني كذلك بالفعل، بل لأنكم لا تحبون الناصحين الذين يطلبون منكم القيام بالفعل مباشرة ودون حاجة لاختراع طرائق وأساليب لطلب مثل هذا منكم بشكل غير مباشر.

ثم إني لم أقل لكم شيئا يختلف عما تسعون إليه جاهدين، وتبذلون الكثير من الوقت والتفكير للوصول إلى ما أطلبه منكم بشكل مباشر وصريح.

حين تتسمر أمام نشرات الأخبار وتشغل نفسك بالرد على المغردين والمغردات، وتدخل المواقع الإخبارية باحثا عن آخر الأحداث وتصريحات الساسة فأنت ببساطة تقوم بذات الأمر الذي أطلبه منك وتعتبرني بسببه عدو السعادة وكبير الدعاة إلى النكد.

وعلى أي حال ..

إن كنت تكره القلق والتوتر والنكد كما تدعي فلا تبحث عن مسبباتها، اكتف منها بما يأتيك رغما عنك، ودع ما يأتيك بسبب ذهابك بكامل إرادتك إليها. وكف عن اتهام المصلحين الطيبين أمثالي بأنهم سبب تعاستك، فالسعادة والتعاسة قرار شخصي، ولا ذنب للآخرين في اختياراتك.

agrni@