الرأي

ليس حبا في جمال!

شاكر أبوطالب
ما حدث لجمال خاشقجي، يرحمه الله، كان محزنا ومؤلما وبشعا، والعزاء لأهله وذويه، والعدل في التزام قيادة الوطن باستمرار الإجراءات القانونية ومواصلة التحقيقات مع المتهمين، للوصول إلى الحقائق، واستكمال مجريات العدالة، بمحاكمة المذنبين وإنزال العقوبات الرادعة بهم. وفي الوقت نفسه، التزم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإعادة هيكلة قطاعات الأمن الوطني، لضمان عدم تكرار مثل هذا الفعل الشنيع، ولمواكبة التطورات المحرزة في الاقتصاد والتنمية.

ما سبق تقديمه ضروري وهام جدا؛ لأنني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، لكونها حيلة العاجز، إلا أن الهجمة المستمرة التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية دفعتني لمراجعة موقفي من نظرية المؤامرة، في محاولة لفهم المشهد الخفي الذي يقف خلف هذا الهجوم السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي غير المسبوق على حد علمي! وتحت مظلة الدفاع عن حرية التعبير عن الرأي، وحق حماية حرية الصحافة! مطالبة حق أريد به باطل!

على المستوى السياسي، تابع المهتمون في العالم ردود أفعال بعض الدول والحكومات في هذه القضية، وكيف أصبحت السؤال الدائم في أي مؤتمر صحفي أو مقابلة تلفزيونية لأبرز القيادات السياسية في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وكأن هناك تنسيقا في أعلى المستويات للمحافظة على تصدر هذه القضية لوسائل الإعلام التي نجحت في استخلاص أكثر من 20 تصريحا من الرئيس الأمريكي وحده، غير تصريحات رؤساء روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وتعليقات رؤساء المؤسسات المدنية والمنظمات غير الحكومية المهتمة بحريات التعبير والصحافة.

وعلى الصعيد الاقتصادي؛ شهدنا ضراوة بعض وسائل الإعلام لاستصدار وعود بفرض عقوبات اقتصادية على المملكة وقبل أن تنتهي التحقيقات! إلى جانب الضغط على الشركات المستثمرة في السعودية لتعليق استثماراتها أو الانسحاب من اتفاقيات أو صفقات محتملة في المستقبل، وأبرز الأمثلة على ذلك ما حدث قبيل انعقاد مؤتمر (مبادرة مستقبل الاستثمار 2018)، من اعتذار بعض الشركات الأمريكية والأوروبية، وليس سرا القول بالنجاح الباهر للمؤتمر، واعتذار معظم الشركات عن موقفها من عدم حضور فعاليات المؤتمر، بل أجبرت بعض الشركات رؤساء مجالس إداراتها ورؤسائها التنفيذيين على تقديم استقالاتهم!

وعسكريا، لا زالت هناك حملة أوروبية لوقف صفقات التسليح للرياض، تقابلها دعوات من أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين في هذا الصدد، وقد أيد البرلمان الإسباني استمرار بيع الأسلحة للسعودية، وأكد الرئيس ترمب أكثر من مرة أن أمريكا ستستمر في بيع الأسلحة للمملكة بوصفها شريكا استراتيجيا في المنطقة.

أما على الجانب الإعلامي فبكل تأكيد ورود الخطأ في الممارسة الإعلامية، وليست المرة الأولى، وقطعا لن تكون الأخيرة أن تقدم وسيلة إعلامية على التراجع عما نشرته، ولكن ينبغي أن يحدث ذلك في حدود ضيقة جدا، وفي فترات زمنية متباعدة، حتى لا تتأثر مصداقية الوسيلة الإعلامية، وتهتز ثقة الجمهور المتابع لها.

ولكن ما حدث خلال الشهر الحالي من سقوط كارثي للنموذج الغربي في الإعلام، يعزز من وجود أجندة غير معلنة لعدد من الوسائل الإعلامية والإخبارية ذائعة الصيت على الصعيد العالمي، أقدمت على نقل أخبار غير دقيقة ومجهولة المصدر ونشرها في مختلف المنصات الفضائية والرقمية والاجتماعية، ثم تراجعت عنها بعد دقائق قليلة، دون اعتذار للمهنة أو للجمهور. ولم تكتف بذلك، بل لا زالت حتى اللحظة تكرر ذات الممارسة الإعلامية غير المهنية وغير المسؤولة، وحتى دون خجل! فهذا التكرار المستمر لنشر الأخبار المفبركة والتصريحات المحرفة والمزورة؛ قتل أي احتمال لحدوث خطأ غير مقصود، وعزز نتيجة وجود فعل متعمد وبتنسيق مسبق يتجاوز الدفاع عن الحياة والحرية والصحافة والتعبير عن الرأي.