الرأي

هل تم استغلال بند الكفاءات المتميزة؟

محمد العوفي
لدينا مشكلة إدارية وتنظيمية، بل أخلاقية بالدرجة الأولى، فما إن يصدر تنظيم أو قرار جديد حتى تتلقفه الركبان، وتستغله لخدمة مصالحها الشخصية بطريقة تخرجه عن هدفه الرئيس، وبند الكفاءات المتميزة أحد الشواهد القائمة؛ فعلى الرغم من فكرته الجيدة، والحاجة إليه في ظل التحول الذي تعيشه المملكة في كافة المجالات، إلا أن البرنامج بولغ من البعض في استخدامه بحاجة، وبدون حاجة، وأصبح مجالا للتنافس بين الجهات الحكومية في حجم التعاقدات وقيمها، في حين أن فكرته ربطت بحاجة الجهاز الحكومي إلى هذه الكفاءات.

وهذا التنافس في التعاقدات يقود إلى سؤال أكثر منطقية، هل هذه الجهات تحتاج إلى هذا العدد من الكفاءات المتميزة؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فإن ذلك إشارة إلى وجود خلل لدى هذا الجهاز أو ذاك في اختيار موظفيه الحاليين في الأساس، وأن هناك شُبها تحوم حول عملية التوظيف والاستقطاب وكفاءة الموظفين الرسميين، وإلا لما احتاج لاستقطاب كفاءة متميزة. وإذا كانت الإجابة بلا! فلماذا تحتاج الجهة إلى بند الكفاءات المتميزة وتتوسع فيه.

وكمتخصص في السلوك التنظيمي والموارد البشرية، ومن خلال متابعة لحجم التعاقدات والرواتب الممنوحة لبعض الكفاءات، أرى أن هناك مبالغة في استخدام البند بدون حاجة، وعلى حساب الكفاءات الموجودة في الجهات الحكومية، بل بلغ الأمر أن يتم جلب متعاقدين على هذا البند بدون خبرات سابقة ويتم تدريبهم داخل هذه الأجهزة، كما أن الرواتب أو المكافآت الممنوحة لبعضهم لا تتوازى مع خبراتهم ومؤهلاتهم، يضاف إلى ذلك أن مؤهلات بعض المستقطبين (أو ما يسمون الكفاءات المتميزة) وخبراتهم لا تتلاءم وتتوافق مع التصنيف الوظيفي للوظائف المتعاقد معهم من أجلها، بل إن بعضهم لا يملك أي خبرة في الوظيفة المتعاقد معه عليها.

علاوة على أن الرواتب الممنوحة لهم مبالغ فيها بشكل كبير، ولا تتوازى مع رواتب موظفي القطاع الخاص، بل إن بعضهم منح راتبا يعادل من أربعة إلى ستة أضعاف وربما أكثر ما يتقاضاه في وظيفته السابقة، والسبب في ذلك عدم وجود ضابط في تحديد سقف الرواتب بناء على المؤهلات والخبرات والشهادات المهنية في الوظيفة المتعاقد عليها، كما أن هذه الرواتب تفوق بشكل كبير جدا متوسط رواتب نظرائهم في السوق العالمي، المقياس الذي يعتمد عليه القطاع الخاص في كبرى الشركات المحلية والعالمية بما فيها أرامكو وسابك وغيرهما.

النقطة الأهم بالإضافة إلى ما سبق أن البرنامج تحول إلى أنموذج للمحسوبية وتوظيف الأقارب والأصدقاء بغض النظر عن ملاءمة مؤهلاتهم من عدمها، فمورست فيه الواسطة والمحسوبية، كما أنه أبرز الوجه القبيح لتعارض المصالح، وبما يتناقض مع أخلاقيات وسلوكيات الوظيفة العامة.

في كل الأحوال إن تعارض المصالح جريمة لا تغتفر كونها تنطوي على سوء استعمال إداري واستغلال نفوذ تعاقب عليهما الأنظمة والقوانين.

كل هذه الممارسات أنتجت اختلالا وظيفيا وماليا، سيكون تأثيره السلبي مؤلما على المدى الطويل، لذا أرى أن مجلس الشورى محق عندما طالب وزارة الخدمة المدنية بمعالجة الاختلالات الوظيفية والمالية الناتجة عن التعاقد مع المستشارين والخبراء، ووضع الضوابط لهذه التعاقدات بما في ذلك تحديد سقف أعلى للتعاقدات.

ليس من المعقول أن يترك الباب مشرعا بهذه الصورة دون ضابط للحد من هذه التعاقدات التي كان جزء منها على حساب الكفاءات داخل الجهات الحكومية، كما أن ترك سقف الرواتب مفتوحا دون وضع سقف أعلى وعدم ربطه في المؤهلات والخبرات والشهادات المهنية في ذات التخصص، أسهما في المبالغة في الرواتب والمزايا، مما قد يقود ضمنيا إلى هدر مالي، وبالتالي فإن إعادة النظر في برنامج الكفاءات وإعادة قراءة ضوابطه كفيلان بالقضاء على كثير من الممارسات السلبية التي رافقت تطبيقه واستخدامه من قبل الجهات الحكومية.