الرأي

عقوبات بديلة لمخالفات المرور!

عبدالغني القش
فكر راق وتفكير واقعي عندما يتم التمعن في العقوبة، والتأمل في آثارها، ودراسة جدواها، ومن ثم إيجاد بديل أنجع لها.

هذا ما يعرف بالعقوبات البديلة التي يفترض أن تسعى لها جميع الجهات المعنية كوزارة العدل والنيابة العامة، وكل جهة تنفيذية من محاكمنا، ويمكن تعريفها بأنها فرض عقوبة غير سالبة للحرية ضد المحكوم عليهم. أو هي مجموعة من البدائل التي يتخذها القاضي تتمثل في إبدال عقوبة السجن بخدمة يؤديها السجين لفئة من فئات المجتمع، أو لموقع خيري، أو الالتحاق بمرفق تعليمي يستفيد منه السجين بهدف إصلاحه وحمايته من الأذى وتقديم خدمة لمجتمعه، ولا يختلف تعريف العقوبة البديلة عن تعريف العقوبة الأصلية من حيث كونها عقوبة يفرضها الشارع الجزائي على من ارتكب الجريمة أو ساهم فيها، بدلا من العقوبة الأصلية المتمثلة في الحبس لمدة قصيرة، الهدف منها هو الحيلولة دون من يحكم عليه بها دخول السجن، أو مركز الإصلاح، فهي تخضع لكافة المبادئ التي تخضع لها العقوبة الأصلية.

ومؤخرا وقع مرور منطقة المدينة المنورة اتفاقية مع شريكه الاستراتيجي المديرية العامة للشؤون الصحية، حول العقوبات البديلة لمخالفي أنظمة المرور.

وبموجب الاتفاقية يحال المخالف إلى إدارة المرور، وينقل بعد ذلك لمستشفيات المنطقة، ليشاهد من تأثر بمثل المخالفة التي ارتكبها سواء من المرضى أو المنومين في مستشفيات المنطقة.

وتهدف الاتفاقية التي وقعها مدير عام الشؤون الصحية الدكتور عبدالحميد الصبحي، ومدير مرور المدينة المنورة العقيد الدكتور صلاح الجابري، إلى العمل على تقليل نسبة المخالفات المرورية المؤثرة في السلامة العامة، والتي تكون سببا للحوادث المرورية، ورفع مستوى الوعي المروري لدى الفئة المستهدفة من خلال المشاهدة الظاهرة النتائج المؤلمة للمخالفات المرورية، وتقليل التكاليف المالية التي تنفق على مصابي الحوادث المرورية بمستشفيات المنطقة.

وتضمنت الاتفاقية اعتماد الجانبين آلية تطبيق العقوبات البديلة لبعض مخالفي الأنظمة المرورية عبر قيامهم بزيارة المستشفيات لمشاهدة ومقابلة مصابي الحوادث المرورية وفق آليات معتمدة لذلك، بالشكل الذي يضمن تحقيق الفائدة المرجوة، مع مراعاة أولوية سلامة وراحة وخصوصية المرضى، بالإضافة إلى مراعاة سلامة الأشخاص الذين سوف ينفذون تلك العقوبات.

وفي الوقت الذي نقدر فيه باعتزاز لمرور المدينة هذه الخطوة، نتمنى أن تعمم الفكرة على جميع مناطق المملكة، لما لها من أثر إيجابي على المخالف، وهي في الوقت نفسه أنجع من أن يمكث المخالف في التوقيف (السجن) لمدة زمنية تطول أو تقصر بحسب المخالفة، ولا يخفى أيضا مردودها الاقتصادي الجيد.

وبودي لو يتم النظر في عقوبات المرور المالية أيضا، فقد قامت إحدى الدول بإعلان جميل لهذا النوع من العقوبات (الغرامات)، بحيث يتم تخفيض الغرامة إلى النصف إذا مكث المخالف ثلاثة أشهر دون أن يرتكب مخالفة أخرى، ويتم إلغاء الغرامة وإسقاطها بشكل كامل في حال استمر المخالف ستة أشهر دون ارتكاب أي مخالفة.

مثل هذا الإجراء - في تصوري - مفيد جدا؛ فالمسألة يراد منها التأديب وليس الغرامة المالية، والهدف هو الوصول إلى سلامة شوارعنا من المخالفات والتزام جميع قائدي المركبات بالأنظمة المرورية، وبالتالي فإن تطبيق مثل هذا الإجراء سيحقق الهدف، وسيلقي بظلاله على الحركة المرورية، إذ سيلتزم الجميع ويتقيد بالأنظمة والإشارات وسيتحاشى بشتى الوسائل ارتكاب المخالفات، فالذي لم يخالف يريد أن يبقى سجله نظيفا، والمخالف سيسعى جاهدا لإسقاط قيمة المخالفة من خلال التزامه.

إن الإدارة العامة للمرور مدعوة لاتخاذ قرار شجاع مثل هذا، وستكون هي المستفيد الأكبر منه، فالحلم (شوارع بلا مخالفات) الذي يراد رؤيته حقيقة واقعة سيكون كذلك بعد اتخاذ هذا القرار الشجاع، فهل تفعل؟!

aalqash1@gmail.com