تفاعل

وسطية الأمة وسماحة الإسلام

سعيد أحمد عناية الله
الأمة المسلمة تنتمي إلى نبيها مثل انتماء الأمم الأخرى إلى أنبيائها، وقد أرسل الله نبيها محمدا صلى الله عليه وسلم لتكون مبشرا ونذيرا لكافة الناس أجمعين ولتكون رحمة للعالمين.

جعل هذه الأمة متميزة بوصف محمود، ألا وهو الوسطية، ونص القرآن الكريم على ذلك قائلا «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس» البقرة 143.

فشهادة الرسول على الأمة هي إقرار منه على استقامة الأمة على تحمل الشريعة وتطبيقها كما طلب منه الباري جل وعلا.

أما شهادة الأمة المسلمة على الناس وهو مثلها أن تشهد هذه الأمة المسلمة يوم القيامة على تبليغ رسل الله رسالة الرب تبارك وتعالى وإجابة الأمم ومسؤولياتها إزاء تلك الشرائع.

وذكر معظم المفسرين المسلمين أن قوله تعالى في حق الأمة المسلمة «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» أن هذه الوسطية تعني العدل والاعتدال. والوسط هو الخيار في كلام العرب أو هو الوسط الذي يكون بين الطرفين. والتوسط: أي إن الأمة المسلمة هي أمة عادلة وأمة في التوسط بين الإفراط والتفريط وبين غلو النصارى في شأن أنبيائهم وبين تقصير اليهود في شأن أنبيائهم، فالمسلمون هم عادلون معتدلون متوسطون في أمر الدين بين المفرطين والمقصرين، فلم يبالغوا في شأن الأنبياء والرسل ولم يفرطوا في حقهم، فإنهم هم المعتدلون، بعيدين عن الشدة والغلو في أمور الدين وأيضا لا يحررون أنفسهم من قيود الشارع والشريعة كسائر الناس وبقية الأمم، فالرسول الكريم ربى أمته على الوسطية والاعتدال في عبادة الله عز وجل حتى من رغب من أصحابه في الانقطاع عن أمور الدنيا ورغب في المغالاة وتجاوز الحد، نهاهم عن ذلك.

فالإسلام الذي هو منهج حياة الأمة المسلمة قد قال عنه صلى الله عليه وسلم: بعثت بالحنفية السمحة. أي إن شرائع الإسلام في أوامرها ونواهيها وفي واجباتها كلها موصوفة بالسماحة واليسر والاعتدال، فورد في السنة أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه يصوم ولا يفطر وإنه لا يتزوج النساء وإنه يصلي ولا يرقد. وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن هذا الأمر يخالف سماحة الإسلام وتيسيره، فقال ردا على هذه الفكرة «والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء».

فهذه سنته صلى الله عليه وسلم لأنه بعث بالحنفية السمحة، كما عد النبي الرغبة عن منهجه عدولا عن سنته فقال «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، فإذا كان هذا توجيه من النبي الكريم وأشرف المرسلين لكل فرد من أفراد أمته ووفق شريعته، فنقول: الإسلام هو عين الوسطية بين المادية التي أقبل عليها أهل الإلحاد قديما وحديثا، وبين الرهبانية التي كان شعار من قال فيهم القرآن الكريم «ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم» الحديد27. أي إنهم شددوا على أنفسهم وأوجبوا عليهم ما لم يوجب الله عليهم، وكذلك شأن من حرر نفسه من قيود الشارع وفرط في حق الخالق ونسي ذات الباري جل وعلا.

وليس معنى الوسطية عدم التزام الواجبات الشرعية والإهمال في أوامر الإسلام ونواهيه كما يظن بعض متبعي الهوى بل إن الإسلام في شرائعه كلها عين الوسطية وعين الاعتدال، فالإسلام يعلم أهله بأن الخير والفضل والشرف هي ترك الغلو والشدة وترك الإهمال والتقصير، فإن جانبي الوسط رذيلة والذي يميل إليهما أي إلى الشدة والغلو والتشدد بعض الجهلة أو إلى جانب التحرر والتقصير والإهمال والذي يميل إليها بعض الفسقة، فالكل يتبع النفس والهوى ويختار الرذيلة ولا يختار الفضيلة.

فإذا كانت الأمة المسلمة أمة وسطا والإسلام هو دين السماحة والاعتدال، كيف يتعرض اليوم هذا الدين وأهله لتحديات خطيرة وأباطيل وافتراءات من قبل أعداء الإسلام من العنف والتطرف والشدة والإسلام منه براء؟ يتطلب من المسلمين اليوم تبيين مفهوم وسطية للأمة المسلمة وسماحة الإسلام حتى نؤدي واجبنا الشرعي، وأن نحمي ديننا ودعوتنا من تشويه أهل الانحراف والإلحاد من قبل أعداء الأمة من الخارج ومن سفهائها من الداخل، فإن تبيين وسطية الأمة وسماحة الإسلام من أعظم متطلبات عصرنا الحاضر ومن أهم واجبات أهل العلم والقلم المخلصين لدينهم وأمتهم. وفق الله عز وجل أبناء الأمة لذلك، ويسر لهم إيضاح هذه الرسالة، وهو الموفق للجميع.