الرأي

شيء من العواصف

فواز عزيز
• يروي رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط الأسبق عثمان العمير في مقدمة كتاب «في عين العاصفة» أن غازي القصيبي أمضى سنوات عزلة - أثناء توليه سفارة السعودية في البحرين - غير مرغوب فيه من الإعلام الذي يعشقه ويتعاشق معه وحرم الكتابة. ويقول العمير: مرت رياح كثيرة بين النوافذ وتحت الجسور ثم فوجئ العالم بغزو صدام حسين للكويت وكان ما كان. وكان الإعلام الخليجي خائفا ومرتبكا وهزيلا وضائعا.

• ويذكر عثمان العمير أنه ذات صباح وصله - وهو رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط آنذاك - عبر الفاكس مقال قصير بعنوان «المحايدون» ممهور بقلم غازي القصيبي، فتذكر العمير قصص مغامرات غازي وإيقافاته، وأطلت عليه الغمامة الشجاعة التي تذكره بالمهمة المستحيلة للإعلامي، فنشر المقال في الصفحة الأولى، وانتظر رد الفعل أربعة أيام، وفي الخامس بدأ الحماس وبدأت ردود الفعل وبدأ الشعور بالتعاطف والإعجاب، واعتُبر غازي القصيبي لغة الخليج وسيفه ورمحه وصاحب الصوت الأعلى والأقوى والأكثر فعالية.

• كتب غازي في مقاله الأول «قد يكون الحياد أعنف أنواع التدخل وأخطرها وأقل المواقف أخلاقية وأكثرها انتهازية». وقال «الحياد فضيلة عندما تكون المعركة بين شر وشر، ولكنه رذيلة عندما تكون المعركة بين حق وباطل». فكان هذا المقال «في عين العاصفة».

• يتحدث العمير عن انطلاقة زاوية غازي القصيبي «في عين العاصفة» فيصفها بأنها كانت انعطافة مفصلية بالنسبة للثقافة الخليجية، فقبل القصيبي كان الخليج يعاني من عقدة الصوت المنخفض إعلاميا، وكان مستهلكا يتبضع سمعته وصورته من الآخرين، وبعد غازي اكتشف أنه يمكن له الاكتفاء وحده والتعبير عن ذاته دون الحاجة لغيره.

• كتب غازي مقالات قوية وقاسية على خصوم الكويت والسعودية الذين وقفوا مع صدام حسين في غزوه وظلمه للكويت، فناصر غازي وطنه وأشقاءه في الكويت، فناله كثير من النقد مثلما ناله كثير من الثناء.

• وفي 4 نوفمبر 1990 - بعد شهر ونصف الشهر من انطلاقة الزاوية - كتب مقالا بعنوان «شيء من العواصف» قال فيه: إن التطرف الذي تثيره زاوية «في عين العاصفة» في نفوس القراء يسعدني جدا ويحيرني جدا. فمن جهة تنهال مئات الرسائل والمكالمات مطالبة بالمزيد من الحدة والسخرية، ومن جهة أخرى أسمع من ينصحني بالكف عن الكتابة نهائيا وأبديا بحجة أن الزاوية تسيء إلى سمعتي «وكأنهم قصيبيون أكثر من القصيبي»، وتسيء إلى سمعة من أكتب عنهم «وهذا مقصدي ومطلبي»، وتسيء إلى سمعة الفكر العربي «الذي لا يحتاج إلى خدماتي لإساءة السمعة»، أو لأنها تفتقر العقلانية المطلوبة من المثقفين. فتساءل غازي بسخرية «سبحان الله: أأنا العاقل الوحيد؟».

• وطالب غازي منتقدي زاويته ومبغضيها بأن يتجاوزوها، فهو لم يجبر أحدا على قراءتها، متعجبا ممن يطلب منع زاوية لا تعجبه، ومن إنسان يدعي حرية الفكر ثم يسمح لنفسه بالحجر على زاوية صحفية لمجرد أنها «تنرفزه» أو ترفع ضغط دمه. ومتعجبا من أن نتلقى نصائح بالتحليل والعقلانية والتفكير الهادئ وكأننا الذين احتللنا الكويت وزحفنا على السعودية وخصصنا عشر إذاعات تلعن أهل الخليج وشعوبه ودوله إلى الجد العاشر!

• وقال غازي: المشكلة ليست في عاصفة صغيرة في زاوية صغيرة، بل المشكلة هي العاصفة الكبرى التي اقتلعت الكويت ودمرت العرب ووضعت العالم على شفير الحرب، فإليها وجهوا نصائحكم النفيسة فلعلها تنقذنا من الصواريخ المصوبة على مدننا!

(بين قوسين)

• الدفاع عن الوطن شرف، والدفاع عن الحق شرف، لا يؤمن بهما إلا الشرفاء حقا.

fwz14@