الرأي

معلم أم أخصائي نفسي؟

مها الحريب
لم يكن مساء الخميس الموافق 14 شوال مساء عاديا لأسرة الطفل عبدالرحمن، بل كانت على موعد مع الفاجعة حين وجدت الأم ابنها الصغير الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة وقد فارق الحياة بعد أن أقدم على شنق نفسه، تاركا خلفه رسالة خطها على ورقة انتزعها من كراسة المدرسة يعبر فيها عن حبه الكبير لوالدته وتقديره لجهودها. يزداد ألمي كلما استرجعت تفاصيل تلك القصة الحزينة.

ما الذي دفع طفلا في عمر الزهور والإقبال على مباهج الدنيا لينهي حياته ويختار هذه الطريقة المؤلمة، حتما كانت هناك بعض المؤشرات التي لو فطن لها الأهل لربما كان عبدالرحمن بيننا اليوم، ولكن يظل قدر الله أسبق.

حادثة طفل عسير كما يشار إليها تدق ناقوس الخطر حول حالة قد تحصل لأي طفل أو مراهق، كون مرحلتي الطفولة والمراهقة من أهم المراحل في حياة الإنسان التي تساهم في تكوين وبناء شخصيته، فبحسب آخر الإحصاءات لمنظمة الصحة العالمية يعاني نحو 20% من الأطفال والمراهقين من الاضطرابات والمشاكل النفسية.

كما أن حساسية هاتين المرحلتين وما تشتملان عليه من تغيرات انفعالية وجسدية واجتماعية وما يرتبط بهذه التغيرات من مشاكل في المدرسة والبيت والمجتمع ككل تدعونا إلى التحرك العاجل.

فالمتابع للتغيرات السريعة والانفتاح الهائل في عالمنا اليوم يدرك مدى الآثار الجسيمة التي يتركها هذا الطوفان على الأطفال والمراهقين، فمن الاستخدام المفرط وغير المقنن للتكنولوجيا وما تزخر به من صور الحياة المرفهة وأنماط السلوك المتباهية، والتي قد لا يستطيع اليافع الحصول عليها ومجاراتها، مما يدخله في دوامة من الإحباط ومن ثم الاكتئاب أو القلق، إلى ما يشاهده من قدوات سيئة ومشاهد إباحية قد تؤدي في مجملها إلى التحرش والابتزاز الالكتروني، ناهيك عن مشاكل التنمر والاستقواء، والعنف وتعاطي المخدرات، وغيرها من الأخطار المحدقة، كل هذا كفيل بإثارة الخوف في داخلنا ويدعونا كأفراد مجتمع ومختصين للتكاتف والتوعية بأهمية الصحة النفسية وتفعيل جانب الوقاية والتثقيف لاكتشاف المشاكل النفسية في تلك المراحل العمرية قبل أن تستفحل.

ولعل أهم ما يمكن فعله لحماية شبابنا تعزيز الصحة النفسية لديهم، والعناية بالحملات الدورية المكثفة لتوعية الأهالي في حال ملاحظة أي تغيرات سلوكية أو جسدية قد تظهر على أبنائهم، وبالتالي القدرة على احتواء المشاكل النفسية، كما أن تثقيف المجتمع بأهمية الصحة النفسية والمبادرة في العلاج دون خشية من وصمة المرض النفسي لهما أثرهما الفعال في ذلك، بالإضافة إلى تفعيل أدوار الأخصائيين النفسيين في المدارس والجامعات وتدريبهم بشكل صحيح، مما يسهم في تعزيز صحة الفرد النفسية.

والحقيقة أن واقع مدارسنا مع الأسف يكشف عن قصور تام في هذا الجانب، فكيف لمعلم جغرافيا أو تاريخ أو أي تخصص آخر أن يتحول لدور مرشد نفسي أو طلابي؟ كيف له أن يكتشف أعراض الاكتئاب أو أن يسهم في علاج القلق أو تعديل السلوك عند الطلبة، وغيرها من الاضطرابات والمشاكل النفسية التي تصاحب تلك المراحل؟فقد أصبحت مهنة المرشد الطلابي أو النفسي المهنة التي يلجأ إليها المعلم أو المعلمة إن أصابهما الملل من التدريس، مع تقديري الكامل لكل محاولاتهم الصادقة في مساعدة الطلبة.

ختاما، إن مراحل الطفولة والمراهقة والشباب المبكر في عنفوانها وتحدياتها تماثل العواصف في قوتها وهيجانها، فإن تنبأنا بها مرت بسلام دون أن تترك أي أثر وخيم على الأسرة أو المجتمع، وإن أهملناها كانت آثارها مدمرة وعلاجها باهظا تدفع فاتورته الدولة وأفراد المجتمع، فأطفال ومراهقو اليوم هم رجال المستقبل، وهم عدة المجتمع وعتاده، والعناية بهم تستحق، فما نزرعه اليوم نجني ثماره وعيا وعافية نفسية وجسدية غدا.