تفاعل

الطلاق.. من وجهة نظر أخرى

في علم النفس هناك ما يسمى بالحيل الدفاعية Defense mechanism وهي ممارسات يلجأ إليها بعض الأفراد لا شعوريا إذا تعرضوا لموقف قلق أو ضاغط، يتطلب منهم إظهار أفضل ما يميزهم في وقت وجيز، وعادة ما يأتي ذلك في «المواقف العاطفية».

الفترة التي يقضيها الأزواج فيما تسمى «الخطوبة» هي ضمن المواقف العاطفية، والتي عادة ما يتقمص فيها الشخص أخلاقيات مثالية تختلف عن شخصيته الحقيقية، وبالتالي تحرص النساء والرجال على «فلترة» الشخصية أمام الآخر، فتتداخل التوقعات مع الأمنيات ويصبحون داخل قالب زجاجي فاخر «متكهنين» بما داخله دون معرفة حقيقية.

هكذا أرى باختصار علاقات النساء مع الرجال بفترات «الخطوبة» التي يعتقد البعض أنها كافية للتفاهم ومعرفة كل طرف للآخر، ولكن متى؛ بعد فوات الأوان، وتوقيع كل منهما على عقد الزوجية المقدس.

غياب التصور الحقيقي عن الطرف الآخر في الشراكة الزوجية قد يكون في مقدمة أسباب الطلاق التي وصلت إحصائياتها المهولة إلى 149 حالة يوميا. وهو رقم يهدد بناء النسيج الاجتماعي والشخصي والنفسي لكل فرد من أفراد المجتمع.

ومحاولة نشر الوعي أو التفكير «خارج الصندوق» يعد ترفا في المجتمعات التي لا تعول كثيرا على الفكر، وليس من أولوياتها إلا المستوى الديني للشخص، وهل يذهب خمس مرات للمسجد أو ذهابه متقطع؟ هذا بالنسبة للرجل، أما المرأة فتحديد شكل غطائها لوجهها هو ما يميز درجة تدينها. مع العلم أن هذه المقاييس الشكلية أو درجة التدين ليس لها انعكاس حقيقي على الأخلاق أو التعامل. وربما يكون الالتزام الديني مجرد أسلوب حياة أو شكل خارجي لا يؤثر على روح الإنسان وسلوكياته.

وبدلا من الوضوح يتخذ الجنسان درجة التدين كمعيار لتقبل الآخر، لأن التدين «الطقوسي» من غطاء الوجه أو تقصير الثوب هو مفتاح الأمان لدخول علاقة الزواج؛ بدلا من أن يكون المعيار «الأخلاق والتناسق الفكري ومستوى النضج» والتي لا يمكن اكتشافها إلا من خلال المعرفة المسبقة.

المؤسف أنه حتى لو فكرت عائلة الشاب، على سبيل المثال، اقتراح تواصله مع الفتاة عبر المكالمات الهاتفية فغالبا ما تواجه بالرفض من الأسرة الأخرى، وربما يشكون في أخلاقية هذا الطلب، أو أخلاقيات الشاب الذي يطلب ذلك. وبالتالي يحرمون الشاب والفتاة فرصة مهمة جدا للتعارف والتفاهم فيما بينهما.

من المهم جدا أن يواجه المجتمع حقيقة أن معظم حالات الطلاق التي يذهب ضحيتها كثير من الأطفال بخلاف أطراف الزواج؛ هي نتيجة حتمية للزواج التقليدي الذي يجمع شريكين دون سابق معرفة أو تصور، ودون أي مشتركات فكرية بينهما، ودون أن يعرف طرف مدى مناسبة الطرف الآخر له.

باعتقادي أن تقنيات التواصل الاجتماعية الحالية ربما تتيح فرصة جديدة لتلافي هذه الإشكالية التي فرضتها العادات والتقاليد، وستتيح نافذة تواصل مهمة بين الشاب والفتاة للتفاهم وقياس مدى ملاءمة أحدهما للآخر، مبكرا وقبل توقيع العقد وسقوط «الفأس بالرأس».