الرأي

شخصيات معروفة لكن وهمية

مي محمد الشريف
يرى البعض أن الجلوس خلف شاشات الأجهزة والكتابة في المواقع الاجتماعية حل مناسب لسرد آرائهم في مواضيع شتى دون الإفصاح عن هوياتهم الحقيقية، بل إن البعض يدون تفاصيل حياته الخيالية لأصدقاء تعرف عليهم داخل شبكة الانترنت مستخدما صورة واسما وهميين لسنوات دون الاعتراف لهم. والأعجب أن هذه الشخصيات الوهمية التي نجدها بكثرة في الانترنت موجودة في كتب جزمنا بصحتها، ليكتشف لاحقا بعد بحوث تاريخية حولها أنها شخصيات مشكوك فيها.

من أهم الشخصيات التي حامت حولها الشكوك هو الكاتب ويليام شكسبير الذي يعد ثروة في عالم الأدب المسرحي البريطاني. فرغم مرور 400 عام على وفاته إلا أن الجدل بدأ في القرن الـ 19 حول هويته، وما زال حتى الآن مادة دسمة للبحوث والدراسات، حيث يحمل تاريخه غموضا أدى لقرار بعض المؤرخين والأدباء أن شكسبير ليس شخصية حقيقية.

يزعم هؤلاء أن سيرته تحمل كثيرا من التناقضات، فقد نال شكسبير تعليما بسيطا ولم يغادر بريطانيا يوما ولم يتعلم لغة أخرى، وهذا لا يتناسب مع عمق مسرحياته وكتاباته التي تزخر بمعرفة عميقة بالفلسفة، والسياسة والعلوم الطبيعية، وعززت هذه الشكوك بسبب أنه لا يوجد له أي مسودات لأعماله أو نسخ بخط يده أو حتى خطابات من أي نوع كان. تم عرض أحد الادعاءات في فيلم anonymous الذي يبين فيه كاتبه أن أعمال شكسبير تعود إلى إدوارد دي فير، الإيرل الـ 17 لأوكسفورد، وكانت له أسبابه الاجتماعية في إخفاء هويته فاستعان بويليام شكسبير كواجهة لأعماله.

وفي عالمنا الإسلامي نطرح لكم مثالا، خولة بنت الأزور التي درسنا عن شجاعتها في حروب الردة، وعندما ركبت جوادها ووضعت لثاما لتخفي وجهها لإنقاذ أخيها ضرار بن الأزور من الأسر. من خلال البحوث والدراسات تبين أن خولة بنت الأزور هي شخصية وهمية لم يتم ذكرها إلا بعد وفاتها بنحو 900 سنة في كتاب «فتوح الشام» المنسوب زورا للإمام محمد الواقدي، وقد أجمع العلماء على ضعف هذا الكتاب ورماه كثيرون بالكذب والوضع. فلا يوجد ذكر عنها في كتب التاريخ المعروفة مثل الاستيعاب لابن عبد البر وتاريخ ابن عساكر، أما كتاب الإصابة لابن حجر فقد تحدث فيه عن صحابيات جليلات في زمن حروب الردة، ولم يذكر اسمها من ضمنهن، مما أدى إلى رفض كثير من المعلومات حول حقيقة شخصية خولة بنت الأزور.

تلك الشكوك التي تراودنا أحيانا حول هويات مرتادي المواقع الاجتماعية قريبة من صعوبة الجزم بصحة بعض القصص والشخصيات التاريخية. والتي تبين لنا أن سهولة التزييف ظاهرة قديمة لم ولن تتوقف مع التكنولوجيا والعولمة، وإنما الشك والتفكير هما الطريقة المثلى لتمييز مدى صحة حقائق تاريخية وشخصيات ربما في حياتنا ولكنها وهمية.

ReaderRiy@