الرأي

الترمبيون العرب

عبدالله الجنيد
سألني صديق: ما واقع ما يشاع حول احتمالات عزل الرئيس ترمب، وما مدى تأثيرات ذلك علينا؟ ذلك الصديق نفسه تساءل في أحد الأيام عن مخاطر الانجرار وراء الموقف الأمريكي في التصعيد تجاه إيران. وربما قد يمثل ذلك الصديق السواد الأعظم في قراءة الأخبار وليس التفاصيل، فالولايات المتحدة دولة مؤسسات تحتكم إلى مبادئ وضعها المؤسسون ودستور يضمن للسلطات القضائية الاستقلالية التامة في محاسبة الفرد أو أي مؤسسة من مؤسسات الجمهورية. ومن الناحية الشكلية، تعد «الرئاسة» مؤسسة تستمد شرعيتها من غالبية الناخبين، إلا أن لا حصانة لها أمام القانون. والولايات المتحدة لن تنهار كما حذر الرئيس ترمب في حال تقرر النظر في أمر عزله، لأنها ليست جمهورية من جمهوريات الموز أو دولة شكلية. لكن ما هو سر قلق البعض من بقاء ترمب من عدمه، هل ذلك مخافة تحولات في السياسة الأمريكية تجاهنا أو خسارة حليف معنوي؟

القاعدة الواجب الارتكاز عليها في القراءات السياسية هي أنه لا ثوابت في السياسة، وكذلك هو الحال بالنسبة لمستوى التحديات التي نواجهها الآن أو مستقبلا، فنحن من سيواجهها لا الولايات المتحدة. أما حجم الانخراط الأمريكي في قضايا المنطقة، فتحدده مصالحها الاستراتيجية لا صداقة من يقطن البيت الأبيض. كذلك نحن لا نتوافق والولايات المتحدة حول جملة من الرؤى والمفاهيم، وأولها أدوات الاستقرار المستدام في الشرق الأوسط، وفي نظرتها لاستقلالية قرارنا الاستراتيجي. لذلك علينا تجاوز ما قد تفضي إليه دعوات عزل الرئيس ترمب من عدمه، والانشغال بتحديد أولوياتنا الاستراتيجية مع ضرورة التأكيد على الحاجة لمختلف القراءات السياسية. فالعالم اليوم بات أصغر من قرية، يتأثر جلها بالقرارات الصادرة عن البيت الأبيض.

القلق من تبعات انتقال العالم للقطبية الثلاثية في ظل غياب أو تغيب الدور الأوروبي أو الدول الصاعدة مثل دول الجرف الباسيفيكي (اليابان وكوريا الجنوبية)، بالإضافة إلى الهند والشرق الأوسط، فهذه الجغرافيا السياسية كانت الأكثر تضررا من السياسات الأمريكية منذ 2001 إلى يومنا هذا. وحتى ما سوقته إدارة ترمب حول إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جاء إسرائيليا لا أمريكيا. والحال نفسها من موقفها في سوريا مع التأكيد على ضرورة الإسراع في إنهاء كل أشكال المعاناة الإنسانية وإعادة الاستقرار على كل التراب السوري. إلا أن إطار ما اتفق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا ينفذ إسرائيليا بما يخدم مصالحها هي أولا ويقصي باقي الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة. فليس من الممكن أخلاقيا المشاركة في شرعنة نظام بشار الأسد عبر القبول بالتهجير السياسي عكسيا إلى سوريا بحسب الرؤية التي صيغت في تل أبيب واعتمدت في قمة هلسنكي (قمة ترمب وبوتين). أما فيما يتعلق بالثمن الذي حدده بنيامين نتنياهو لإخراج إيران من سوريا هو اعتراف واشنطن أولا بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل، وثانيا الاعتراف بقانون يهودية الهوية الإسرائيلية.

شرق أوسطيا لا وجود لسياسية خارجية أمريكية خارج إطار الرؤية الإسرائيلية للمنطقة، ويجب إدراك أن السلام مع إسرائيل مستحيل حسب اشتراطات نتنياهو. وعلى من يظن أننا خارج نطاق استهداف نتنياهو لنا في المستقبل القريب عبر استحضار الاستحقاقات اليهودية في الجزيرة العربية فهو واهم. فمن أعطى كل ما سبق لبنيامين نتنياهو هو العزيز ترمب وليس غيره، ومن سيتسبب في استدامة عدم الاستقرار في المنطقة هو ترمب كذلك على الرغم من نصح أغلب وزرائه بعدم الاعتراف بالقدس والمخاطرة بإقصاء حليف استراتيجي مثل السعودية من عملية السلام في الشرق الأوسط.

صباح يوم الاثنين قال الرئيس إيمانويل ماكرون في خطابه أمام البرلمان الفرنسي «على أوروبا ألا تعتمد على الولايات المتحدة في أمر أمنها، وعلينا الآن تحمل مسؤولياتنا كأوروبيين في ضمان الأمن والسيادة الأوروبية». وذلك الموقف لا يمثل فرنسا منفردة، بل هو الآن قناعة لدى أغلب الدول الأوروبية. فحتى بريطانيا التي لم نعهدها عبر التاريخ السياسي الحديث تباعد بينها وبين السياسات الخارجية الأمريكية، نجدها اليوم تفصل فيما بينها والولايات المتحدة في قضايا وملفات عدة. هكذا تنظر التكتلات الكبرى اليوم للتحديات القادمة، لذلك علينا أن نخاطب الولايات المتحدة بلغة تعتمد الندية فيما يتعلق بمصالحنا، لأن الندية هي الضمانة الوحيدة للاحترام المتبادل بين الدول.

أما في حال تقرر عزل الرئيس ترمب فإننا سنتحدث للرئيس مايك بنس.

@aj_jobs