الرأي

هل يحدد الـ «Like» علاقاتنا الإنسانية

ناصر الهزاني
مع التقدم التكنولوجي والتطور التقني المتسارع بات من الواضح تغير علاقاتنا الاجتماعية، حيث دخلت التكنولوجيا بثقلها في العلاقات الإنسانية.

ويبدو أن العتاب بين الأحباب تغير شكله ومضمونه وانتقل هو الآخر إلى العالم الافتراضي، فأصبح عتابا الكترونيا بحتا من خلف شاشات الأجهزة الذكية. فتجد البعض يلوم الآخرين لعدم وضعهم علامة «إعجاب» أو ما يشار إليه باللغة الإنجليزية بـ «Like» تحت ما يكتبه أو ينشره من مواد على مواقع التواصل الاجتماعية، وتجد آخر يأخذ موقفا متشنجا ويغضب من صديق تعرف عليه في العالم الافتراضي بسبب عدم تطابق تعليق هذا الأخير مع آرائه وأطروحاته، وقد يتطور الأمر إلى قطيعة دائمة بين الطرفين، فيعمد بعضهم إلى استخدام خاصية «البلوك» كتعبير واضح وصريح عن القطيعة الالكترونية بين الاثنين.

الإشكالية ليست في القطيعة الالكترونية فحسب، ولكن المشكلة إذا امتدت لتكون قطيعة أبدية وفعلية على أرض الواقع بسبب لا يرقى لأن تصل الأمور إلى هذا المستوى، والسبب عدم وضع علامة الإعجاب على المنشور أو الصورة أو عدم عمل إعادة أو رتويت للتغريدة. رغم ما يجمع بعض الأصدقاء من علاقة طويلة وممتدة ربما كانت من أيام الطفولة، ولو فتشت وبحثت في السبب ستجد الإجابة جاهزة لدى البعض بقوله «لقد تغير صديقي ولم يعد كالسابق» فقط لأنه لم يضع «Like».

نسمع عن قصص يجمعها هذا السبب وإن اختلفت التفاصيل بعض الشيء، فقد يعمد البعض إلى إلغاء حسابه في مواقع التواصل الاجتماعية لأنه لا يريد رؤية أصدقاء لا يشاطرونه اهتمامه ولا يشاركونه بتعليقات ترقى لمستوى طموحاته وتلبي رغباته وتوقعاته، حيث يرى أن هذا يشعره بقلة أهميته وبتجاهل من حوله لما يكتبه وينشره لذلك يفضل الخروج من العالم الافتراضي.

الملاحظ أنه بقدر ما أسهمت تطبيقات التواصل الاجتماعية في تقريب المسافات بين الناس فقد أدت إلى خلق فجوات عميقة لدى البعض نتيجة لعدم الإدراك الكافي والتفكير العقلاني الذي يزن الأمور بشكل صحيح، لقد أثر زر «الإعجاب» على العلاقات الإنسانية وتماسكها لدى البعض، والذي كان من المفترض أن تقوم على الاحترام المتبادل وسمو الأخلاق بعيدا عن أي مؤثرات أو منغصات لتلك العلاقة الإنسانية السامية.

لقد أظهرت تلك التطبيقات وجها آخر لطبيعة العلاقة الإنسانية لدى البعض، حيث أظهرت هشاشة تلك العلاقة وعدم تماسكها، وربما وصلت في بعض الحالات إلى الطلاق بين الأزواج واهتزاز الثقة بين الأصدقاء لمجرد تعارض آرائهم مع ما نطرحه.

لقد بات العتب الالكتروني عنصرا رئيسا بين الأفراد، ولم يعد ترفا على ما يبدو لدى البعض، بل وأصبح يهدد مقومات العلاقات الإنسانية برمتها.

إن فكرة العتاب الالكتروني قد تكون نتيجة للتفكير السطحي للأمور وعدم تزود الفرد بالمعرفة الصحيحة والعلم الذي يجعل للصداقة معنى متينا وأساسا قويا وحقيقيا بعيدا عن مؤثرات العالم الافتراضي وتطبيقاته المختلفة.

إذا أدرك المستخدم أن طبيعة وسائل التواصل الاجتماعية طبيعة اجتماعية جاءت لكي تخلق جوا من النقاش المفتوح والحوار والتعرف على الآراء والمجاملة أحيانا لتعزيز الجوانب الإيجابية لدى الأفراد ودعمها نفسيا ومعنويا، عندها لن ينقل مستخدمو تلك التطبيقات أطباعهم في الحياة العامة إلى واقعهم الافتراضي.

من المهم أن يدرك من دخل إلى بوابة العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعية أن عليه أن «يكبر دماغه ويطول باله» ويتفهم أمزجة الناس المختلفة وألا يرفع سقف توقعاته ثم يصدم بالواقع.

ختاما، عزيزي القارئ المجاملة الالكترونية قد تكون جيدة بهدف خلق جو من الإيجابية مع الأصدقاء واستدامة العلاقة الإنسانية وتعزيز أواصرها.