الابتكار واقتصاد اليابان
الجمعة / 28 / ذو القعدة / 1439 هـ - 01:00 - الجمعة 10 أغسطس 2018 01:00
هل نحتاج إلى الابتكار كي نصبح كاليابان؟! هذا السؤال الجميل طرحه أحد المتحدثين في أحد المؤتمرات العلمية على الحضور، فكانت الإجابات متباينة.
نطرح السؤال بشكل مختلف: هل الاقتصاد المعرفي هو من جعل اليابان دولة من أقوى اقتصاديات مجموعة العشرين G20؟ هل لديها منظومة اقتصادية تعتمد على الابتكار والبحث والتطوير؟ لكي نجيب عن هذين السؤالين من الأفضل معرفة مفهوم الابتكار، فالابتكار بشكل عام يعرف بأنه المقدرة على تطوير فكرة أو عمل أو تصميم أو أسلوب أو أي شيء آخر بطريقة أفضل وأيسر. يعتقد الكثيرون أن الابتكار هو فقط تطوير منتجات أو خدمات جديدة، والحقيقة أن الابتكار له أنواع كثيرة، كما عرفها السيد كيلي «مستشار في الابتكار والشريك المؤسس لشركة دبلن»، فالابتكار قد يكون ابتكارا في السلعة أو الخدمة، أو ابتكارا في عملية الإنتاج، أو في الهيكل التنظيمي للمنظمة، أو في العلاقات العامة..إلخ.
إذن كلمة ابتكار تتسع لمفاهيم واسعة وليس بالضرورة ربطها بمنتج صناعي أو خدمة، بل إن الابتكار كلمة شاملة لكل فكرة يمكن تطويرها بشكل يجعلها أفضل. إذن، هل الابتكار (Innovation) محرك للاقتصاد المعرفي (The Knowledge Economy)؟ بعضنا يعتبر الابتكار قيمة مضافة ومحركا للنمو الاقتصادي ويحسن الإنتاجية ويخلق حلولا ابتكارية لمشكلات تواجه الدول سواء في قطاعات التعليم، الصحة، الإسكان.
الدول التي تسعى لحلول اقتصادية مبنية على العلوم والتكنولوجيا والابتكار لديها خطط اقتصادية تسعى من خلالها لخلق اقتصاد مستدام مبني على المعرفة باستثمار العقول والتركيز على العنصر البشري، وهذا صحيح، ولكن ليس بالضرورة أن نكون مبتكرين كي نصبح كاليابان، ولكن من الضروري استثمار العنصر البشري والأيدي المدربة في تطوير وتحويل الاقتصاد من اقتصاد استهلاكي (ريعي) إلى اقتصاد منتج. هل يا ترى نحتاج إلى أفكار ابتكارية لصناعة مغسلة ملابس، مكيف، دراجة نارية، ألعاب أطفال، ملابس، حلي ومجوهرات، إكسسوارات، سيارات..إلخ؟ الإجابة: لا نحتاج إلى أفكار ابتكارية، ولكن نحتاج إلى أيد مدربة ومصانع لصناعات مختلفة، نحتاج مراكز تدريب وتأهيل للأيدي العاملة في مختلف المهن ثم مصانع تعمل فيها الأيدي العاملة.
يعد الاقتصاد الياباني أقوى اقتصاد يعتمد على الصناعة في العالم، فهي دولة فقيرة بثرواتها الطبيعية فاستثمرت في الإنسان. وصنعت ما تحتاجه وما يحتاجه العالم بأيدي اليابانيين دون الركون للثروات الطبيعية، فهي تستورد من السعودية 34% من النفط، و24 % من الإمارات العربية المتحدة، و19% من روسيا، و11% من قطر، و7% من الكويت، و5% من إيران، وتحول هذا النفط بطريقة غير مباشرة إلى منتجات صناعية تصدرها إلى العالم وإلى الدول التي صدرت إليها النفط.
العقلية اليابانية عقلية صناعية تفكر في اقتصاد مستدام حرفي ومهني وتقني. اليابانيون حريصون على سمعتهم في كونهم أكبر دولة منتجة لأجود أنواع السلع، خاصة السيارات.
اليابان ليست الأولى عالميا في القدرة على الابتكار، ولكنها الأولى في نسبة براءات الاختراع، والرابعة بعد الاتحاد الأوروبي في الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير، والمرتبة الـ 16 في التعاون بين الجامعات والصناعة، والمرتبة الـ 14 في القدرة على الابتكار، بينما فنلندا احتلت الدولة الأولى عالميا في القدرة على الابتكار، والتعاون بين الجامعات والصناعة، وإذا قارنا بين فنلندا واليابان في الاقتصاد فلا وجه للمقارنة.
إذن كيف نجحت وأصبحت ثالث أقوى اقتصاد في العالم؟! لقد استمدت مكانتها الاقتصادية بالاعتماد على الصناعات الثقيلة وعلى تحويل المواد الأولية المستوردة إلى منتجات صناعية، فهي تمتلك أفضل أربع علامات تجارية وشركات عالمية «تويوتا، سوني، فوجي فيلم، باناسونيك»، كما أنها أول منتج للسيارات في العالم وأول منتج للحديد والصلب وتساهم بـ 40 % من الإنتاج العالمي للسفن. وهي ثالث أقوى اقتصاد في العالم، ذلك البلد الفقير بثرواته الطبيعية!
علمتنا اليابان أن الاستثمار الحقيقي هو استثمار العنصر البشري وتأهيله وتدريبه، المزرعة اليابانية تثمر وتجني الثمار بسواعد اليابانيين. فهل نحتاج استنساخ المزرعة اليابانية كي نجني ثمار مزارعنا بأيدي أبنائنا؟!
saeed_malowi@
نطرح السؤال بشكل مختلف: هل الاقتصاد المعرفي هو من جعل اليابان دولة من أقوى اقتصاديات مجموعة العشرين G20؟ هل لديها منظومة اقتصادية تعتمد على الابتكار والبحث والتطوير؟ لكي نجيب عن هذين السؤالين من الأفضل معرفة مفهوم الابتكار، فالابتكار بشكل عام يعرف بأنه المقدرة على تطوير فكرة أو عمل أو تصميم أو أسلوب أو أي شيء آخر بطريقة أفضل وأيسر. يعتقد الكثيرون أن الابتكار هو فقط تطوير منتجات أو خدمات جديدة، والحقيقة أن الابتكار له أنواع كثيرة، كما عرفها السيد كيلي «مستشار في الابتكار والشريك المؤسس لشركة دبلن»، فالابتكار قد يكون ابتكارا في السلعة أو الخدمة، أو ابتكارا في عملية الإنتاج، أو في الهيكل التنظيمي للمنظمة، أو في العلاقات العامة..إلخ.
إذن كلمة ابتكار تتسع لمفاهيم واسعة وليس بالضرورة ربطها بمنتج صناعي أو خدمة، بل إن الابتكار كلمة شاملة لكل فكرة يمكن تطويرها بشكل يجعلها أفضل. إذن، هل الابتكار (Innovation) محرك للاقتصاد المعرفي (The Knowledge Economy)؟ بعضنا يعتبر الابتكار قيمة مضافة ومحركا للنمو الاقتصادي ويحسن الإنتاجية ويخلق حلولا ابتكارية لمشكلات تواجه الدول سواء في قطاعات التعليم، الصحة، الإسكان.
الدول التي تسعى لحلول اقتصادية مبنية على العلوم والتكنولوجيا والابتكار لديها خطط اقتصادية تسعى من خلالها لخلق اقتصاد مستدام مبني على المعرفة باستثمار العقول والتركيز على العنصر البشري، وهذا صحيح، ولكن ليس بالضرورة أن نكون مبتكرين كي نصبح كاليابان، ولكن من الضروري استثمار العنصر البشري والأيدي المدربة في تطوير وتحويل الاقتصاد من اقتصاد استهلاكي (ريعي) إلى اقتصاد منتج. هل يا ترى نحتاج إلى أفكار ابتكارية لصناعة مغسلة ملابس، مكيف، دراجة نارية، ألعاب أطفال، ملابس، حلي ومجوهرات، إكسسوارات، سيارات..إلخ؟ الإجابة: لا نحتاج إلى أفكار ابتكارية، ولكن نحتاج إلى أيد مدربة ومصانع لصناعات مختلفة، نحتاج مراكز تدريب وتأهيل للأيدي العاملة في مختلف المهن ثم مصانع تعمل فيها الأيدي العاملة.
يعد الاقتصاد الياباني أقوى اقتصاد يعتمد على الصناعة في العالم، فهي دولة فقيرة بثرواتها الطبيعية فاستثمرت في الإنسان. وصنعت ما تحتاجه وما يحتاجه العالم بأيدي اليابانيين دون الركون للثروات الطبيعية، فهي تستورد من السعودية 34% من النفط، و24 % من الإمارات العربية المتحدة، و19% من روسيا، و11% من قطر، و7% من الكويت، و5% من إيران، وتحول هذا النفط بطريقة غير مباشرة إلى منتجات صناعية تصدرها إلى العالم وإلى الدول التي صدرت إليها النفط.
العقلية اليابانية عقلية صناعية تفكر في اقتصاد مستدام حرفي ومهني وتقني. اليابانيون حريصون على سمعتهم في كونهم أكبر دولة منتجة لأجود أنواع السلع، خاصة السيارات.
اليابان ليست الأولى عالميا في القدرة على الابتكار، ولكنها الأولى في نسبة براءات الاختراع، والرابعة بعد الاتحاد الأوروبي في الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير، والمرتبة الـ 16 في التعاون بين الجامعات والصناعة، والمرتبة الـ 14 في القدرة على الابتكار، بينما فنلندا احتلت الدولة الأولى عالميا في القدرة على الابتكار، والتعاون بين الجامعات والصناعة، وإذا قارنا بين فنلندا واليابان في الاقتصاد فلا وجه للمقارنة.
إذن كيف نجحت وأصبحت ثالث أقوى اقتصاد في العالم؟! لقد استمدت مكانتها الاقتصادية بالاعتماد على الصناعات الثقيلة وعلى تحويل المواد الأولية المستوردة إلى منتجات صناعية، فهي تمتلك أفضل أربع علامات تجارية وشركات عالمية «تويوتا، سوني، فوجي فيلم، باناسونيك»، كما أنها أول منتج للسيارات في العالم وأول منتج للحديد والصلب وتساهم بـ 40 % من الإنتاج العالمي للسفن. وهي ثالث أقوى اقتصاد في العالم، ذلك البلد الفقير بثرواته الطبيعية!
علمتنا اليابان أن الاستثمار الحقيقي هو استثمار العنصر البشري وتأهيله وتدريبه، المزرعة اليابانية تثمر وتجني الثمار بسواعد اليابانيين. فهل نحتاج استنساخ المزرعة اليابانية كي نجني ثمار مزارعنا بأيدي أبنائنا؟!
saeed_malowi@