الرأي

أطباء في مول!

أجزم أنك سبق أن خرجت في عطلة نهاية الأسبوع للتسوق في أحد المولات الكبيرة بمدينتك ولفت انتباهك تجمع الناس حول لافتات توعوية عن مرض ما وأمامها أشخاص يلبسون البالطو الأبيض، ولربما وجهوا لك الدعوة للاستماع لبعض المعلومات أو قدموا لك هدية بسيطة للتعبير عن امتنانهم لزيارتك لهم.

قد تكون ظاهريا فكرة جميلة وفعالة لنشر مفهوم الثقافة الصحية وتعزيزها حول مرض ما، لكنني شخصيا أرى فيها هدرا للموارد والجهود في ظل وجود طرق أكثر فعالية، ولنتحدث بصراحة، وربما تختلف معي وهذا من حقك.

كنت قد كتبت مسودة لهذه المقالة عن أساسيات التوعية الصحية، لكنها كانت كالقهوة المرة التي لا تستساغ، بل هي أشبه بمحاضرة مملة تنشر النوم والتثاؤب عند قراءتها لذلك قررت حذفها والدخول مباشرة في صلب الموضوع.

تحولت تلك الحملات إلى مغناطيس للفلاشات يهتم فيها بعض المنظمين للشخصية المهمة والكبيرة التي ستقص شريط افتتاح حملتهم وإلى التغطية الإعلامية والتقارير في الصحف المهمة التي ستتحدث عن جهودهم المشكورة. لكنهم قد يتناسون أن الهدف الأهم من هذه الحملة هو الأثر الذي ستتركه على المجتمع وأفراده.

في الواقع أنا سريع الندم وسأتراجع عن المقطع السابق وسأفترض أن الحملة كانت مثالية وكانت فعلا تركز على التوعية ولم تتأثر بالفلاشات المتناثرة. ودعنا نفكر في التأثير الذي ستتركه على المجتمع على المدى الطويل.

أنت تستهدف كامل زوار المول لمدة 3 أيام إلى أسبوع كامل، نتحدث هنا عن نسبة قليلة من سكان المدينة يرغبون بالتسوق ولم يخطر ببالهم أن هناك حملة صحية إلا باللافتات التي صادفتهم. ليس كل زوار المول متفرغين لقضاء 10-15 دقيقة في حملتك وبالتالي العدد الإجمالي سيكون نسبة بسيطة من زوار المول.

ومن بين الحضور الذين استطعت جذبهم هناك نسبة بسيطة مهتمة بعنوان حملتك ويرغبون فعلا بالحصول على مزيد من المعلومات عنها، والبقية جذبتهم أشياء أخرى مثل المشاهير في حملتك أو ركن الأطفال أو المسرح وغيرها.

بعد مرور أيام الحملة المفعمة بالنشاط والحماس، سيختفي كل شيء ولن يبقى أي تأثير دائم وهنا أكبر مشاكلي مع حملات المولات، مهما كان تأثيرها كبيرا فهو وقتي ولحظي. وصدق عمرو بن مسعدة حين قال «قليل دائم خير من كثير منقطع».

ربما لا تعلم عزيزي القارئ أن القائمين على هذه الحملات يبذلون جهودا عظيمة. مهما بدوت قاسيا عليهم لكنني أخبرتك أنني سريع الندم! فتنظيم هذه الحملات خلفه جمع للمتطوعين واستخراج للمعلومات وجمعها وتدقيقها وتنقيحها وترجمتها لتناسب الجمهور المحلي. لذلك من الحكمة أن تستغل هذه الجهود بالشكل الأمثل.

ولزملائي الأطباء وطلبة الطب أقول إن كان ولا بد من الحملات الصحية في المولات فأقترح عليكم أن يكون لكل حملة هدف واضح ومحدد من البداية. ويفضل أن يكون موضوع الحملات الصحية في المولات متعلقا بتعزيز ممارسة صحية معينة كالمشي أو الرضاعة الطبيعية أو الابتعاد عن ممارسة سلبية معينة. وابتعد عن مناقشة الأمراض لأن المهتمين بها في المول والتأثير الذي ستتركه محدودان.

نقطة أخرى وهي الأهم احرص على دوام العمل، كموقع الكتروني أو صفحة على الانترنت يمكن لأي شخص مهتم بعنوان حملتك الاطلاع على المعلومات المفيدة التي بذلت جهدا في إعدادها.

لكل حملة تكاليف وأهداف، ونطمح لتحقيق الأهداف بأقل تكاليف ممكنة لتوفيرها لأهداف أخرى.

في الواقع هذا المفهوم ينطبق على كل شيء تقريبا، فهذه المقالة لها تكاليف كالحبر الذي خطت به هذه الحروف وكالوقت الثمين الذي قضيته لقراءتها.

هل حققت هدفي وتركت أثرا فيك؟ أتمنى ألا تشعرني إجابتك بالندم!

xZiadx@