الرأي

الارتقاء بدعم الفن والعلم.. دي مديشي أنموذجا

مي محمد الشريف
في القرن الـ 15 اعتبرت فلورنسا كأي مدينة إيطالية عادية حتى وصلت عائلة دي مديشي للحكم، والتي عرف ولعها بالفن ودعم الفنانين وفتح أبواب العلم والتعلم. فتحولت فلورنسا سريعا إلى عاصمة الفن كخلية نحل انتقل إليها كل متعلم وموهوب في أوروبا، اكتظت طرقها بالفنانين والنحاتين واحتل مثقفوها وكتابها مراكز مهمة في المدينة. تأثير هذه المدينة الصغيرة قوي، حيث أصبحت اللهجة الفلورنسية هي اللهجة الرئيسة للإيطاليين، وليس هذا فحسب وإنما كان دعم دي مديشي نواة النهضة الإيطالية الفنية ونموها لتغطي قارة أوروبا.

حصل الفنانون على عظيم الاهتمام وتم افتتاح معاهد التدريب ودفع رواتب حكومية كافية لعمل ما يطلب منهم كتزيين الكنائس والمباني الحكومية بالتماثيل والرسومات، وفي عام 1525م تم بناء أعظم مكتبات تلك الحقبة، وهي مكتبة لورنتيان التي ما زالت تتميز بهندستها المعمارية التي صممها مايكل أنجلو. تخرج عظماء الفن في فلورنسا وارتبط عملهم مع دي مديشي، ومن أشهرهم دوناتيلو، جورجيو فاساري، برونليسكي وساندرو بوتيتشيلي، والرسامين جيوفاني، وباتيستا موروني، والشهير رافاييل، والأشهر ليوناردو دا فينشي، أما مايكل أنجلو فكان يقيم ويتعلم مع أطفال لورنزو دي مديشي في منزل واحد.

لم يقتصر الدعم على الفن وحده، وإنما شمل الفلسفة وعلم الفلك والطب بالحدود التي تسمح بها الكنيسة الكاثوليكية، وأشهرهم الكاتب السياسي نيكولا ميكافيللي - والذي نفي لاحقا فكتب كتاب «الأمير» كاعتذار للورينزو دي مديشي. كذلك أشهر علماء الفلك والفيلسوف الفيزيائي غاليليو غاليلي حصل على تمويل من كوزيمو الثاني وعينها معلما لأبنائه.

بدعم الفن والثقافة والعلم نجح حكام دي مديشي في رسم مدينة يفتخر النبلاء بزيارتها، والعلماء والفنانون بالتعلم والعمل فيها، حتى إنها سحبت البساط من تحت روما بآثارها الرومانية التاريخية العظيمة والفاتيكان بمركزه الديني المقدس، ولم يعجب ذلك البابوات الكاثوليك فتم التعاقد مع الفنانين مثل ليوناردوا دا فينشي ومايكل أنجلو ورافاييل وغيرهم لرسم جداريات وأسقف قاعات الفاتيكان فتحقق لهم بعض المكانة الفنية التي حلموا بها. استمر حكم دي مديشي ثلاثة قرون، ورحلوا وبقيت مدينة في متحف، ومتاحف تتزين فيها أجمل الرسومات والمنحوتات كتمثال دايفد وقبة الكاتدرائية، وحدائق منازل دي مديشي خير دليل على أنهم ما زالوا أحياء في العالم.

تأثير الفن بمجالاته المختلفة على المجتمع عظيم، فهو يعبر عن روح ثقافة وحضارة المجتمع في أي زمان ومكان، وهذا ما نأمل تحقيقه بوجود البيئة الداعمة والإنسان المسؤول والموهبة متوفرة، ومع وجود وزارة الثقافة نأمل أن نرى أندية للقراءة للصغار والكبار ودعمها والاهتمام بالمحاضرات الفكرية والفنية والمسابقات الثقافية والتعليمية، كذلك دعم المواهب الفنية والعلمية، فهذه هي الخطوات الأولى ليزدهر المجتمع والفن والثقافة معا. فلم لا نجعل الفنون رمزنا والكتاب والثقافة حاضرنا والابتكارات والنجاحات مستقبلنا.

شعارات عائلة دي مديشي ما زالت منتشرة في فلورنسا، وهي عائلة حكمت منطقة فلورنسا بين القرنين الـ 15 والـ 18، ولعبت دورا سياسيا واقتصاديا وفنيا وثقافيا أثر على أوروبا

تم بناء كاتدرائية فلورنسا عام 1296 م ولكن عجز المعماريون حينها عن بناء قبة لتغطية الفتحة الكبيرة في السقف، وبعد حكم دي مديشي أعلن عام 1418 م عن مسابقة عامة للمعماريين لإيجاد حل لقبة الكاتدرائية، فتوافد المعماريون البارزون في ذلك الوقت إلى فلورنسا لتقديم أفكارهم. وبوصفه سيد الأوهام، نجح برونليسكي في تصميم القبة وبنائها. أشعل بناء القبة سنوات من النقاش حول كيفية بنائها، وإلى يومنا هذا وعلى الرغم من الدراسات المكثفة التي أجريت والعديد من الاكتشافات الجديدة، لا يزال هناك جدل حول ما هو الحل المبدع الذي وجده المهندس المعماري فيليبو برونليسكي

ReaderRiy@