الملعب

السلمي.. نوى صلاة الجمعة في الحرم فأتى إليه محمولا

حتى وفاته جاءت كما هي حياته.. غادر الدنيا بهدوء أشبه بدخوله صالة التحرير في «مكة» وحتى خروجه منها.. لا يسمع منه سوى كلمات معدودات، وصوت خافت قد يسمعه فقط جاره في المكتب، أو من خلال اتصال برئيس التحرير أو من ينوب عنه، أو اتصال بقسم التدقيق لمراجعة كلمة أو معلومة، وفي كل الأحوال لا يخرج صوته عن نطاق دائرته.

الزميل الراحل فوزي السلمي عقد العزم على أداء صلاة الجمعة في الحرم المكي، وخطط لتناول وجبة الغداء مع أقرب زملائه في صحيفة مكة، والاتجاه عقب ذلك نحو معترك العمل بعد ليلة قضاها بين أهله وأصدقائه، ثم غط في نوم عميق حضر بعده إلى الحرم، لكن ليس كما خطط هو، وإنما كما خطط القدير، فأتى إليه محمولا ليس كما كان ينوي زيارته ماشيا، فصُلي عليه بعد أن كان ينوي أداء الصلاة.

رحل كما عاش.. عنوانه البساطة والرضا بما قسمه الله حتى وهو يبدو حاملا كل هموم الدنيا. اعتاد نسيان همومه بمجرد الجلوس في مكتبه لنفض الشوائب عن الأخبار وتنقيتها لتصبح صالحة للنشر. يحب الحركة في خط سير معين كاستراحة من باب تنشيط الأفكار، ثم سرعان ما يعود متحديا المواد الإخبارية وإنجاز مهامه في الوقت المحدد.

وكما يدخل صالة التحرير، يغادرها دون ضوضاء، يكره الصدامات التي قد تجعله يخسر زميلا.. يحب العمل في النور، والمواجهة حتى وإن كانت قاسية، لا يعرف الحقد طريقا إلى قلبه، فقط يعرف»خليها على الله».

أحيانا يستدرجه زملاؤه لمعرفة ما في دواخله فيبدؤون في سرد معاناتهم اليومية له حتى يخرج هو ما في دواخله، لكنه فقط يكتفي بالإفصاح عن «رأس خيط» دون تكملة الباقي ويرسل ما مفاده «لا تشكي لي فأبكي لك»، بقي صامدا ولم يبك، لكنه أبكى كل من يعرفه برحيله المفاجئ. له الرحمة والمغفرة من غفور رحيم.