الرأي

ارتفاع الأسعار.. وجشع التجار!

عبدالغني القش
موضوع حيوي يتعلق بمعيشة الناس واستقرار حياتهم، يتجدد بين الفينة والأخرى، فالتجار يحاولون جهدهم لنيل أكبر قدر من المكاسب دون أي اعتبار لوضع المستهلك، فهو لا يعنيهم بشيء، وكل ما في الأمر محاولة جلب أكبر قدر ممكن من المال لجيب ذلك التاجر بصفته الشخصية أو الاعتبارية!

‏وما وقع مؤخرا من رفع أسعار منتجات الألبان من شركة بعينها - لها محاولات سابقة - دون مبرر مقنع (كما أوضحت هيئة حماية المستهلك في بيانها) يمثل أنموذجا لهذه الحالة المستشرية في أسواقنا مع بالغ الأسف. والعجيب أن جميع الجهات تقف موقف المتفرج أمام هذا السعار الذي يكتوي بناره المستهلك، ويتلذذ بمشهده التاجر، إذ يعيش بعيدا عن أي نوع من أنواع الحساب فضلا عن وجود العقاب.

وجميل هو إصدار جمعية حماية المستهلك توضيحا حول بيان الشركة، والذي ذكرت فيه أن ارتفاع أسعار بعض منتجات الألبان نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج المتمثلة في الطاقة والنقل واستيراد الأعلاف. وأكدت للجميع أن ما ذكرته الشركة مبهم وغير دقيق وبدون أي تفاصيل، وأن تكاليف الإنتاج المشار إليها في البيان لم يجر عليها تعديل مؤخرا، خاصة مادة الديزل التي تعد الأساس لتشغيل المكائن اللازمة للإنتاج، وللناقلات، وذلك حرصا من الدولة على استقرار أسعار السلع الأساسية محليا للمستهلكين.

ودعت الجمعية الشركات والمؤسسات المقدمة للسلع الأساسية إلى الحرص على استقرار الأسعار وتحري الدقة فيما ينقل وينشر.

لتأتي المطالبة بمؤشر أسعار للسلع يطلع عليه الجميع، فلا تكون مدعاة لرفعها بناء على الأهواء والأمزجة.

ويبقى الدور المجتمعي في مثل هذه الحالات، خاصة مع وجود البدائل المتوفرة، وهذا يمثل الوعي الذي يحمله المجتمع، ولدينا قصص من تاريخنا والعبارة المشهورة لأحد السلف عندما جاء الناس إليه يشكون غلاء اللحوم فقال «أرخصوه أنتم، اتركوه لهم».

وما نقل مؤخرا عن إحدى الدول عندما قام تجار البيض برفع الأسعار فتركه ذلك الشعب، وحتى بعد أن أعاد التجار السعر إلى سابق عهده رفض الشعب أيضا، مطالبا التجار بالاعتذار.

مثل هذه القصص تستفاد منها الدروس والعبر، فالمجتمع عندما يتكاتف يستطيع أن يرغم التجار على عدم الجشع والمبالغة في الأسعار، ووجود البديل لا يترك لهذا المجتمع عذرا في الإقبال على سلعة رفعت الشركة سعرها بلا مبرر، بدليل أن الشركات الأخرى لم ترفع سعر المنتج.

والمؤلم أن يتم نشر أرباح تلك الشركة التي بلغت نتائجها المالية للنصف الأول أكثر من مليار ريال، ومع ذلك لم يكتف القائمون عليها بهذا الرقم الكبير، ويريدون زيادته على حساب المستهلك المسكين.

وبمناسبة إعلان هذا الرقم الذي نشرته هذه الصحيفة على صفحتها الأولى، والذي يمثل نفيا لمزاعم الشركة، أجدني أجدد المطالبة بإلزام جميع الشركات بإيجاد برامج لخدمة المجتمع، وأن يكون ذلك بإشراف ومتابعة من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي العهد الأمين، فالمرء يتعجب من إعلان تلك الميزانيات والأرباح التي كان سببها هذا المجتمع، ومع ذلك لا تقوم هذه الشركات بواجبها تجاهه.

ومن أعجب ما قرأت في هذا الشأن أن أحد البنوك الكبرى أنشأ قسما للشراكة المجتمعية ليعلن أنه أنفق أكثر من أربعمئة ألف ريال، بينما أرباحه بالمليارات، في مقارنة عجيبة وشح رهيب.

ختاما، إن الثبات أمر مطلوب، وليس من الحكمة التعجل، فالشركات تراقب مبيعاتها وتنظر إلى ردة فعل المستهلك، ولا يضيرها أن تبقى أياما أو أسابيع، والعقل يحتم التريث لأطول مدة ممكنة حتى تظهر النتائج واضحة جلية، فهل يفعل مجتمعنا؟!

aalqash1@gmail.com