الرأي

في العراء

سلطان فهيد التمياط
تمر علينا النداءات الواحد تلو الآخر، نتابع مزيدا من التفاصيل في نشرات الأخبار عن مأساة إخوتنا في اللغة والدين، وعلى الرغم من سرعة الاتصالات بين الدول والمنظمات وحتى الناس، إلا أن صرخة النساء واستغاثاتهن لم تعد تشنف الآذان، بعد أن كانت في الزمن الباهي يهب لها الفرسان والنبلاء.

غادر المدنيون دورهم وأرضهم (درعا) بحثا عن مأوى يحميهم وأطفالهم، وهربا من القصف الذي أمطرتهم به الطائرات أمام مرأى العالم، اختاروا الرحيل باتجاه الحدود الأردنية، نحو من أجار إخوتهم في سنوات الثورة الأولى، إلا أن الأحوال قد تبدلت وكانت المأساة الحقيقية أن وجدوا أنفسهم في العراء، بلا مأوى ولا طعام، عوائل بأكملها.

لقد تكدس أكثر من 65 ألف لاجئ على بوابة الحدود الأردنية، بينما لا يزال أكثر من 200 ألف نازح في أماكن أخرى غير بعيدة عن الحدود. افترش بضعة آلاف (جلهم أطفال ونساء وشيوخ) الأرض عند الشريط الحدودي مع الجولان، بعد أن أغلقت المنافذ العربية في وجوههم، اكتفى موظفو الأمم المتحدة على الشريط الحدودي مع إسرائيل بالمراقبة دون أن يقدموا لهم أي مساعدة. وظلت حياتهم هكذا معلقة كلما رحلوا مسافة أبعد كانوا كمن يحرقون مراكبهم لا ينتظرون عودة وشيكة. لقد أدركوا أن مصيرهم الشتات كغيرهم ممن هُجروا وغادروا ديارهم على عجل في سنوات الحرب، حين تعرضوا لكوارث إنسانية ناتجة عن اضطهاد سياسي خارق للقوانين الدولية والشرائع السماوية.

عند سماع التصريحات الرسمية من أطراف عدة، يطغى الجانب الأمني ثم يليه الجانب الاقتصادي على تبريرات عدم فتح الحدود لهؤلاء المنكوبين الذين تكدسوا طلبا للمساعدة الإنسانية العاجلة، والحماية من شرور الحروب والاضطهاد والحرمان، بل إن الجانب الإنساني يظل هو الحلقة الأضعف في دائرة الاهتمام، ولا تتم مناقشة هذه الأزمة من منطلقات إنسانية وأخلاقية ودستورية، بل إن الحديث يتمحور حول العبء الاقتصادي الذي ستتحمله الدولة المستضيفة، بالإضافة إلى خطر تسلل المسلحين بينهم، رغم أن غالبية النازحين من كبار السن والنساء والأطفال الذين وجدوا أنفسهم أمام مرحلة تحول فاصلة لم يختاروها، بل فرضت عليهم، باتت حياتهم مهددة، ومعرضين لمخاطر نفسية وصحية جسيمة، وفي حالة يرثى لها وفي أمس الحاجة لمد يد العون والمساعدة.

ولكي نظل بعيدا عن الخوض في السياسة ودهاليزها ومناقشة الأسباب والحلول التي آلت إليها الأمور، وبعيدا عن إلقاء المسؤولية على طرف دون آخر، تأتي الأسئلة تباعا وبإلحاح: ما الذي حدث لنا؟ كيف لا نشعر بمأساة أهلنا؟ كيف أصبحنا عاجزين عن الاستجابة لنداء شيخ كبير واستغاثة أنثى تعيش حالة الصدمة؟ كيف نسير إلى أعمالنا وهواياتنا وعطلاتنا هكذا دون اكتراث؟! لماذا اعتقدنا أن المسألة مليئة بالتعقيد وأنها ليست من شأننا؟!

أم إننا بالفعل نواجه حالة مربكة ومحيرة في الوقت نفسه، فلا نعرف ماذا نفعل أو من أين نبدأ؟ حتى إن تفاعلنا في مواقع التواصل الاجتماعية يتسم في كثير من الأحوال بالتردد، كما أن أغلب المشاركات ركيكة وهزيلة لا ترتقي أبدا لحجم مأساتهم.

ومع مرور الوقت وتفاقم المسألة تزداد خيبتنا ونشعر بالمرارة أكثر وأكثر، ثم لا نلبث أن نغرق في الحيرة والضياع.

temyatt@