تفاعل

«العاصوف» نجاح محدود وجدل كبير

هيفاء محمد العمري
أدت الظروف التي منعت مسلسل «العاصوف» عام 2017 وكل ما صاحبها من تهجم على العمل قبل عرضه إلى رد فعل عكسي لدى الجماهير خلق فضولا قويا لمتابعته، وحققت دعاية كبيرة للعمل قبل أن يبدأ، كل هذا جاء في صالح العمل الأضخم في تاريخ الأعمال الدرامية المحلية حتى اليوم.

«الله يا وقت مضى. لو هي بيدينا ما يروح».

حققت أغنية المسلسل حيزا كبيرا من اهتمام ومحبة الجماهير لدرجة أن نجاحها نافس نجاح العمل نفسه، وأظنها من الشارات التي ستخلد في ذاكرة الجماهير لبساطة كلماتها وعمقها وجمال لحنها وأدائها.

«العاصوف» حكاية بسيطة لعائلة سعودية، استعرض طوال حلقاته قصصا اعتيادية اعتبرها البعض غير متطابقة مع ثقافة مجتمعنا، وآخرون غير ذلك، وقد يرجع هذا إلى اتساع جغرافية المملكة العربية السعودية، والاختلاف الطبيعي في عادات وأعراف كل منطقة عن الأخرى، ولكن السمة المتفق عليها هي إظهار قوة الروابط الاجتماعية ونوعية الأزياء والبيوت، وإظهار المرأة كعنصر بشري تكاملي مؤثر في بيئتها، ورغم اكتمال العناصر النسائية في العمل من حيث الكم إلا أننا لا نكاد نميز بين الشخصيات النسائية التي أتت متشابهة إلى حد كبير في القصة والدور، وقد يكون لقصة الحب التي أدتها الفنانة ريم عبدالله ودانه آل سالمدور دور في بروزهما عن بقية الممثلات.

ورغم كثير من الملاحظات الفنية على العمل، إلا أنه نجح في إبراز المشكلة الأهم في ذلك الوقت، وهي ضعف المشاركة الشعبية السياسية، مما جعل للحركات القومية والإسلامية الثورية فرصا في محاولة تعبئة هذه الثغرة، وإيجاد جماهير تجند لتخدم قضاياها.

لقد كان تأثير الجماعات الإسلامية التي استوطنت السعودية بسبب إقصاء القوميين في بعض الدول العربية لها وطردها خطيرا وكبيرا، فقد أحدثت خللا كبيرا في البنية الثقافية السعودية من خلال مناهج التعليم والإعلام، لضمان بقائهم واستمرار منهجهم السياسي، وقد وجدت هذه الثقافة المتشددة مكانا رحبا نتيجة لبساطة المجتمع وندرة العقول الوطنية الواعية والمتعلمة في ذلك الوقت، وهذا ما أظهره العمل بطريقة جيدة ومندمجة مع بقية أحداث القصة.

كان نجم الفنان عبدالعزيز السكيرين ساطعا في المسلسل، حيث جسد دور»الشيخ محمد» ذي التوجه السلفي المحافظ في القصة، والذي يظهر التعاطف التلقائي والسريع مع كل ما يراه يمثل التيار الإسلامي، وقد أدى الشخصية باقتدار كبير ولمع في هذا الدور كما لم نشاهده سابقا، الفنان «عبدالإله السناني» الرجل الذي أصيب بفصام ثقافي نتيجة لدراسته في الخارج ومحاولته اليائسة فرض ثقافة أخرى في بيئته الأصلية، يصور دور «محسن» كأنموذج لكثير ممن يعانون من عدم الشجاعة في تحديد هوياتهم الثقافية والفكرية، فلا هم يذهبون للعيش في بيئة أخرى تناسبهم، ولا يندمجون مع بيئتهم الأصلية، فيتحولون مع الزمن إلى ناقمين ناقدين لكل ما يحيط بهم.

الفنان ناصر القصبي خير من يمثل دور «خالد» ابن الرياض البراغماتي بطبيعته، المتفاعل مع محيطه، والذي يقف في منطقة متوسطة من كل شيء، والقصبي بتاريخه يدهش المتابع بجرأة دوره وأدائه الدرامي الذي يوازي كوميدياته التي انطبع بها في أذهان الجمهور، وهو دائما يصنع فرقا في الأعمال التي يشارك بها، وقد جاءت الحلقة الأخيرة بشكل جميل ومشجع لمتابعة نجوم القصة في الجزء الثاني.

عزف «العاصوف» على الذاكرة التي يحن لها الكثيرون، وأظن ذلك لعدم إشباعها بمسلسلات وأعمال درامية سابقا تعالج قضايا «زمان الطيبين» وتوثق المرحلة.

لقد كان هناك اجتهاد واضح في محاكاة اللهجة النجدية من بعض الممثلين، إلا أن العمل يستحق المتابعة والشكر، وبلا شك فإن كل قصة تثير الجدل والاختلاف تحقق نجاحا ومتابعة.