الرأي

الولايات المتحدة.. قصة نجاح!

عبدالعزيز اليمني
لم يدر في خلد سكان المستعمرات البريطانية على الساحل الشرقي الأمريكي عندما رفضوا دفع الضرائب بحجة عدم تمثيلهم في البرلمان البريطاني عام 1733م أنهم بذلك قد أسدلوا الستار عن نموذج سياسي واقتصادي فريد من نوعه، فكانت أول دولة في العالم تتحرر من الاستعمار، وكان أقدم دستور مكتوب حتى الآن.

ثار هؤلاء المهاجرون الأوروبيون بعد فرض البريطانيين ضرائب إضافية على الشاي المستورد من الهند آنذاك، وأحرقوا السفن المحملة بالشاي في ميناء بوسطن، في هذه اللحظة التاريخية الفارقة أدرك الآباء المؤسسون أن إقامة العدل وحماية الحرية والتعددية أول خطوات بناء دولة مدنية حديثة تسعى لأن تكون النموذج الأسمى بين دول العالم حتى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية أو الحرب بين الشمال الشرقي الصناعي والجنوب الزراعي عام 1861م أو الحرب بين الانفصالين والاتحاديين.

كانت الولايات الشمالية الشرقية تسير بخطى ثابتة نحو التطور والتنمية، مما أدى إلى خلق بيئة فكرية وثقافية وطريقة حياة مختلفة بشكل كبير عن الجنوب، وبعد انتهاء هذه الحرب بانتصار الاتحاديين تدخلت الولايات المتحدة لدعم الثوار في كوبا ضد الاستعمار الإسباني عام 1898م، وانتصرت الولايات المتحدة في هذا التدخل، لتتحول الولايات المتحدة إلى دولة استعمارية كبرى، ولا سيما مع ضم الفلبين إليها عام 1899م، مما أثار حفيظة الأعضاء في عصبة معارضي الإمبريالية الأمريكية الرافضين لفكرة تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى قوة استعمارية.

ومع بزوغ القرن الـ 20 تغير الوجه السياسي للولايات المتحدة الأمريكية مع تسلل أفكار الجناح المسيحي الصهيوني داخل أروقة البيت الأبيض، والداعية إلى قيام دولة يهودية في أرض فلسطين لإتمام نبوءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ولتشكل المقدمة لمجيء السيد المسيح - عليه السلام - إلى الأرض بحسب اعتقادهم.

الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية ليست كما هي بعدها، فقد خرجت من الحرب عام 1945م كقوة عظمى إلى جانب الاتحاد السوفيتي، وتصارعت معها في حرب باردة انتهت بانتصارها عام 1991م بعد إعلان تفكك الاتحاد السوفيتي، مما جعل العالم يعيش في ظل قوة عظمى وحيدة هي الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع مرور هذه السنوات ظلت هناك نقاط سوداء في تاريخ الولايات المتحدة لا تزال بعض إرهاصاتها حاضرة لليوم، لعل من أبرزها فترة التمييز العنصري التي سبقت الحرب الأهلية الأمريكية وبقيت بعض مظاهرها حتى الآن كهيئة الخدمات الصحية للسكان الأصليين، وهي إدارة حكومية خاصة بعلاج السكان الأصليين أو ما يعرف بالهنود الحمر، بعيدا عن التمتع بالعلاج مع بقية المواطنين الأمريكيين، وفيما يبدو أن التطور الطبيعي التاريخي للدول سيقضي على ما تبقى من هذه المظاهر، فهكذا علمنا التاريخ، ومهما تحدثنا عن الولايات المتحدة أو غيرها من الدول التي صنعت التاريخ والحضارة معا، يبقى العدل أساس الملك، ومن غير تحقيق العدالة لن تستطيع أن تصنع بعينك الحاضر المزدهر، فضلا عن المستقبل المشرق!

العدالة إحدى القيم التي قامت عليها الولايات المتحدة، وهذه العدالة هي التي جعلتني أكتب هذه السطور وأنا سائح في غربها المتوحش - كما يسمى في أدبيات التاريخ الأمريكي - متأملا في تاريخ دولة ثار سكانها من أجل الشاي ليؤسسوا بذلك دولة عظمى ما زالت تصنع المعجزات!

alyemni_aziz@