تفاعل

عولمة!

فايع آل مشيرة عسيري
في ظل الانفتاح العولمي الكبير الذي نشهده في عصرنا بات كل شيء ممكنا ومقدورا عليه، حيث تستطيع أن تنجز أعمالك وأنت تجلس في ديوانية تلعب فيها البلوت، أو تشاهد مباراة كرة قدم، في ظل وجود الصدي الغالي «الجوال» بشتى أنواعه وأشكاله وألوانه وشركاته وقنوات تواصله الاجتماعية بأطيافها المتنوعة، وسيدها الواتس اب الذي وإن نافسته البرامج الأخرى في الصدارة إلا أنه ما زال البدايات وأول ساحل وميناء، كما يقولها فنان العرب محمد عبده.

هذا الجوال بإمكانه فعل كل شيء، غير أن هذه التقنية أصابتنا بما قد نسميه «قلق العولمة» الذي لا يكاد يصمت إلا بانفصال الشحن الكهربائي، أو خارج التغطية لعدم توفر شبكة، أو قطعه لوصوله الحد الائتماني، أو نفاد مدة البطاقة مسبوقة الدفع، وعندها عليك تحمل تبعات ذلك التوقف الذي قد تسبب في رسائل عارمة من لوم، أو عتاب، أو زعل إذا كنت صاحب حظوة اجتماعية ومتابعة جماهيرية، هذا الجهاز القضية تراه عند الإشارات، والطرقات، والأسواق، وفي المطارات، حتى عامل الدش، والنظافة، ومطاعم توصيل الطلبات، والخطابة، والنقاشة، وبنك التسليف، وأبومشاري لتسديد القروض، وأبوحسن للخرفان والتيوس!

الجوال الذي بات يحدد لك الجهات الأربع، وجهات الحياة والأصدقاء، والأفراح، والأتراح، هذا الجوال الذي ما زال يحذر إمام مسجدنا منه لإغلاقه، أو جعله على وضع السكوت؛ إلا أنه يرفض كل التحذيرات والملصقات الورقية، ذلك الجوال الذي يخبرك دوما بأنه يحتاج إلى طاقة كي يمدك بالتواصل المدرك، واللا مدرك، فالجوال يطاردك حتى في أحلامك، تجلس برهة، وتسلم على صديقك القديم، فقد جمعتك به الصدفة، فيرن جواله، وقد هم بالمصافحة ليسحب عليك سحبة غير محسوبة ويعتذر لك باعتذار ساذج: آسف..آسف وبيننا تواصل!

تاركا كفك تصافح الماضي، وذكرياته تماما كما يقول صديقي أبوسامي القادم من الدمام: حين أرحل إلى أهلي في الجنوب أرمي بكل طقوس المدينة، وأهجر كل التقنية، والتواصل؛ كي أسعد ببراد أصفر، وجلسة جمر وسمر، وصوت مؤذن قريتنا، ويستطرد صديقي: لم تعد تحس بذاك البون الشاسع بين المدينة، والقرية، ولعل صديقي أبوسامي تجاهل بأن العولمة أضحت لا تعترف بمكان أو زمان، غير أنها أكثرت تواصلنا الكترونيا، وأفقدتنا لذة اللقاء والفرحة بقدوم الصديق العزيز.

ومضة: التقنية سلبت منا كثيرا من إنسانيتنا، ولعلكم تذكرون كيف كان أهل القرية يجتمعون ويبكون في وداع المسافر منهم.