الرأي

قوانين وإجراءات لمكافحة التحرش

فاتن محمد حسين
استبشر المجتمع بصدور موافقة مجلس الوزراء على نظام مكافحة التحرش في جلسته يوم الثلاثاء 14/‏9/‏1439هـ، بعد الاطلاع على ما رفعه وزير الداخلية، والنظر في قرار مجلس الشورى القاضي بإقرار قانون مكافحة التحرش في السعودية. وهو قرار يعكس حرص القيادة الحكيمة على صيانة خصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية، والتي كفلتها له الشريعة الإسلامية والأنظمة، فإنزال العقوبات الرادعة مهم جدا في الحد من التجاوزات الأخلاقية التي باتت تهدد مجتمعنا.

وهو توقيت مهم جدا، حيث تم فتح المجال للمرأة للعمل بصورة أكبر بحسب رؤية 2030، والانتقال من نسبة مشاركة المرأة في العمل من 22% إلى 30%، وكذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة في 10/‏10/‏1439هـ فلا بد من وضع ضوابط تمنع التجاوزات الأخلاقية التي قد تحدث.

وقد كشفت وزارة العدل، بحسب صحيفة الرياض بعددها المنشور يوم الاثنين 21 أبريل 2014، عن أن أعداد قضايا التحرش بلغت 2797 قضية في محاكم المملكة خلال 2013. وتصدرت محاكم منطقة الرياض بواقع 650 قضية، ثم محاكم منطقة مكة المكرمة بواقع 430 قضية، وبعدها محاكم المنطقة الشرقية بـ 210 قضايا، ومحاكم منطقة المدينة 170، بينما نظرت المحاكم الأخرى قضايا التحرش بالنساء والحدث بأعداد متقاربة.

وبلغ عدد قضايا السعوديين المتهمين بالتحرش 1669 قضية، فيما بلغ عدد قضايا غير السعوديين المتهمين بالتحرش 1128.

وقد عرف النظام التحرش بأنه «كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي يصدر من شخص تجاه أي شخص آخر يمس جسده أو عرضه أو يخدش حياءه بأي وسيلة كانت بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة». وحقيقة التحرش ليس المقصود به الموجه ضد المرأة فقط، بل قد يقع بالعكس ويكون ضد الرجل، وهو ما أسميه «التحرش السلبي المضاد»، فهناك المائلات المميلات ممن لا يلتزمن باللباس الإسلامي الساتر، مع وضع كافة مساحيق الزينة في الأسواق والمتنزهات! والله سبحانه وتعالى يقول «ولا يبدين زينتهن..». وفي آية الحجاب يقول «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين..) الأحزاب 59، وهذا أول حصن ضد التحرش، فالمرأة المحتشمة يحترمها الناس - حتى في المجتمعات الغربية - ولا يتعرض لها الفسقة من القوم، وهناك إحصاءات عالية في التحرش الجنسي تقع في الغالب للنساء ذوات الملابس الخليعة.

وفي علم النفس فإن الإثارة الجنسية عند الرجل تبدأ بالنظر والصور البصرية التي يشاهدها، والتي قد تضعه في براثن التفكير في التحرش، ولذلك أمر الإسلام بغض البصر، فقال تعالى «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها» ‏النور‏ 30-31‏.

وهذا الحصن الثاني ضد التحرش لو طبقنا تعاليم هذا الدين العظيم لما كان هناك تحرش. علما أنه ستحدد جريمة التحرش من قبل القانونيين حسب تكييف القضية وإثباتاتها وذرائعها، فكل قضية سيكون لها حيثياتها وملابساتها التي ينظر إليها على حدة وإخضاعها للتسلسل السببي والمنطقي، فإذا ثبت في الشرع والعرف أن ما قام به الشخص يعد تحرشا ولو بنظرة أو كلمة أو حتى في وسائل التواصل الاجتماعية فتكون العقوبات ضد الشخص المتحرش نافذة.

وأعتقد أن العقوبات التي وضعت ونص النظام عليها، وهي أن تكون عقوبة جريمة التحرش السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات وغرامة مالية لا تزيد على 300 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالة العودة أو في حالة اقتران العقوبة بأن المجني عليه طفل أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، مناسبة على المستوى العام. أما إذا كان المتحرش من الأثرياء وأصحاب السلطة فمن الضرورة أن تكون الغرامة أعلى من ذلك لتصل إلى مليون ريال أو أكثر فنحن في عصر الحزم والعزم، ولا مجال للمفسدين في الأرض، والعقوبات تطبق على الجميع لقول الرسول صل الله عليه وسلم «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها..»، حين نطبق الأنظمة والقوانين تكون رادعة لكل من تسول له نفسه الإفساد في المجتمع.

ويمكن تعزيز الردع القانوني ببرامج ثقافية واجتماعية لمحاربة التحرش بكل أشكاله وبالعودة إلى تطبيق ديننا الإسلامي الحنيف الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلا وقد أوضح كيف يتم التعامل معها ومعالجتها، وذلك من خلال برامج ثقافية في المدارس والجامعات، وكذلك في البرامج الإعلامية.

وهنا يشار إلى برنامج (كيف نكون قدوة ؟ الذي أطلقه مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل ولاقى نجاحا كبيرا. نتمنى أن يعمم على كل مناطق المملكة، وأن يخصص العام المقبل للبرنامج شعار مثل «مجتمع آمن» للحد من التحرش بالتوعية والتثقيف.

Fatinhussain@