نجران.. مثال يحتذى ونموذج يقتدى

وأنا أتصفح عدد السبت لليوم السابع من نوفمبر لجريدة مكة في عددها (664) لسنتها الثانية بحمد الله، والتي أحمد الله على فضله وكرمه أنها بدأت تأخذ مكانتها الطبيعية بحكم اسمها وأهدافها بين شقيقاتها من صحف الوطن الغالي

وأنا أتصفح عدد السبت لليوم السابع من نوفمبر لجريدة مكة في عددها (664) لسنتها الثانية بحمد الله، والتي أحمد الله على فضله وكرمه أنها بدأت تأخذ مكانتها الطبيعية بحكم اسمها وأهدافها بين شقيقاتها من صحف الوطن الغالي..الأمر الذي يدفع بنا جميعا لمواصلة الجهد وبذل كل ما يمكن حتى تواصل صحيفة مكة تطورها على الرغم مما تمر به الصحافة الورقية نتيجة المنافسة الالكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث أمسى كل مستخدم لها رئيس تحرير – لا نائب له – ولا رقيب عليه. المهم أنني قرأت في صفحتها الأولى «مكة» مقدمة لخبر جاءت تفاصيله في الصفحة التاسعة عشرة (حياتنا)، ربما لم يلفت انتباه أحد هذا الخبر المعنون «نجران تغلق دار الفتيات لخلوها من النزيلات»، ولن أغوص كثيرا في أعماق الموضوع الذي جاء فيه بعض التباين، أهو من التحرير أم من المسؤول في الشؤون الاجتماعية. وفي الخبر أكد مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة نجران أن إغلاق دار الفتيات جاء بعدما ظلت الدار لا تستقبل أية نزيلة خلال العامين الماضيين، سوى فتاة يمنية واحدة تم تصحيح وضعها وغادرت. وفي إشارة خفيفة للتباين الذي أشرت إليه..أن المسؤول صرح أن الدار لم يمض على افتتاحها سوى عامين فقط. وهذا يعني أن الدار المقامة في دار مستأجرة، بقيمة 400 ألف ريال سنويا، لم تستقبل سوى تلك البنت اليمنية العزيزة التي غادرت والحمد لله..وجاء موضوع الحفاظ على المال العام أحد الأسباب التي أدت إلى إغلاق الدار – وهذا أمر منطقي جدا – في ظل التوجيهات الكريمة بالترشيد في المصروفات. ولكن العجيب أن المسؤول أشار في نفس السياق عن خطة للشؤون الاجتماعية بنجران – البطولة والصمود- تهدف إلى إنشاء دار تحتوي على منظومة متكاملة من الخدمات الاجتماعية تصل تكلفتها إلى 40 مليون ريال!! وأكد المسؤول في صدر تصريحه أن «طبيعة منطقة نجران الثقافية وترابطها الأسري وتماسكها الاجتماعي، كل ذلك جعلها منطقة خالية من المظاهر التي تدفع الفتيات للتوجه إلى مثل هذه الدور». وهنا مربط الفرس، وبيت القصيد، وهو هذا الترابط والتماسك أسريا واجتماعيا، لدرجة لم تعد فيها المنطقة بحاجة إلى دور للرعاية. وهنا تجب الإشادة بأهالي هذه المنطقة العزيزة الغالية في جنوبنا الباسل، والتي دفعت الشؤون الاجتماعية لغلق دار الفتيات، مؤكدة (أي نجران) أن مقرَ ومستقر بناتها هو بيوتها وأحضان أمهاتهن وكنف الآباء في ظل تكاتف أسري واجتماعي كامل. وأعتقد أن على الشؤون الاجتماعية أن تبحث عن منطقة أخرى، أو مدينة أخرى غير نجران البارة، لتقيم عليها وتنشئ مراكزها وبيوت رعايتها. وقد يكون أحد أهم أسباب بعض المشاريع في منطقة ما..هو وجود بند رُصد لهذه المشاريع في ميزانية تلك الجهة. وعادة وبحكم ما أختزنه من تجارب وملاحظات يوم عملت في وزارة المالية..ممثلا ماليا..تقوم الجهة بتعمد صرف المبالغ المعتمدة..حتى ولو لم تكن ذات جدوى آنية حتى تضمن وفرة ميزانيتها في الأعوام القادمة، بدلا من أن تستقطع منها..وهو ربما – أقول ربما – يكون أمرا يُحسب للمسؤول الجهوي، ولكنه يحسب على ديوان الوزارة ذات الصلة..ومن هنا فمن المحمود أن يكون الرابط وثيقا بين المالية والوزارات ووزارة التخطيط، والتي تعد في الخطط التنموية هي المطبخ العام للتنمية في البلد، والمالية هي الممول، والوزارات هي السُفر التي تقدم عليها مختلف الوجبات. فقد تكون هناك بالفعل منطقة أخرى أقل ترابطا وتماسكا إذا ما قيست بنجران، تحتاج إلى مثل هذه المنشآت، ولكن لا يجب أن تكون مكافأة النجرانيين هي حرمانهم من مبالغ رصدت لصالح العمل الاجتماعي، ويجب على ما أعتقد أن يتغير شكل النشاط، ومن مراكز ودور لا يأتيها أحد..إلى برامج وجوائز تشجيعية وتقديرية، تجعل من نجران مثالا يحتذى ونموذجا يُقتدى..وفي هذا فليتنافس المتنافسون..ولعل مدينة كالتي جرت فيها هذه الواقعة أحق وأولى..حيث ذهب رجل عجوز إلى محل تصليح أجهزة الهاتف المحمول، يريد اكتشاف الخلل في هاتفه..وبعد فحصه من قبل المختص في المحل أخبره أن جهازه سليم وليس به علّة أو عيب. فسأل العجوز بحزن: إذا لماذا لا يتصل بي أحدٌ من أولادي ؟! فلم يستطع كل من في المحل الإجابة على سؤاله الحزين، حتى وهم يرون قطرات من دمعه الحار تسيل على خده الذي حفر فيه الزمن أخاديد متعرجة. ولننظر إلى مدى حسن الظن الذي دفع هذا العجوز الوحيد أن يسيء الظن بهاتفه وليس بولده. كم كان يتمنى لو أن خللا بالهاتف، فهو أهون بكثير من عقوق لا يصلحه إلا الله بعفوه وكرمه وهداه. وتماما كما لكل شيء حدّان، حدُّ خير وحدُّ شر..فإن لهذا الجوال ذات الحدين، ولكن يبدو أن الحد الثاني هو الأكثر استعمالا، رغم ما في الحد الأول من فوائد جمّة. يقول أحد الظرفاء: شكرا لمن اخترع الهاتف الجوال، فقد خفف من صداماتنا وجدلنا، حين سيطر على كل أوقاتنا عبر تطبيقاته المختلفة، فلم نعد نتحاور ولا نتجادل، ولا نتحدث حتى في قاعات الأفراح. ندخل وهو في يدنا ونجلس وهو ملتصق بأيدينا وعيوننا، ونخرج وهو محمول، وربما نتحدث إلى بعض أو إلى أهل الفرح، متسائلين: هل لديكم شاحن؟!