أمثلة زمن الضعف
الحكم والأمثال تتميز بالقدرة على ربط ماضي الشعوب بحاضرها وهي تمثل إناء يعكس قيم ومبادئ المجتمع فهي سهلة التكرار، سهلة الحفظ، وبالتالي كثرة ترديدها تتجاوز كونها انعكاسا لماضي تلك الشعوب وكذلك تلعب دورا في تشكيل مستقبلها
السبت / 18 / محرم / 1437 هـ - 15:00 - السبت 31 أكتوبر 2015 15:00
الحكم والأمثال تتميز بالقدرة على ربط ماضي الشعوب بحاضرها وهي تمثل إناء يعكس قيم ومبادئ المجتمع فهي سهلة التكرار، سهلة الحفظ، وبالتالي كثرة ترديدها تتجاوز كونها انعكاسا لماضي تلك الشعوب وكذلك تلعب دورا في تشكيل مستقبلها. كثير من علماء اللغة من غير العرب لاحظوا ظاهرة كثرة استخدام الحكم والأمثال في حديث العرب، وذكر بعضهم «أن العربي يشعر بالنشوة عند ذكره المثل وكأنما يروي تجربة شخصية وقصة حقيقية»، وأن «عند البعض منهم» ذكر تلك الحكمة يمثل نهاية النقاش وكأنما هذه الكلمات مقدسة ودليل قاطع على صحة الرأي. نحن، مثلنا مثل الشعوب الأخرى، عندنا نصيبنا من الأمثال السلبية والتي تحمل معاني خاطئة لا تعكس قيمنا ولا ديننا أو معتقداتنا، فعدد كبير من الأمثلة الدارجة في مجتمعنا كثيرة التداول لما يبدو على ظاهرها من منطق بينما هي تخالف المنظومة الأخلاقية التي ننتمي إليها. هذه الأمثال السلبية كثيرة وليس الهدف من المقالة تعديدها ولا حتى انتقاء الأسوأ منها، فبعضها علنا يرسخ مفهوم العنصرية والعصبية، ولكن أنقل لكم بعضها والذي يكثر تداوله في مؤسساتنا بما فيها مؤسسات التعليم العالي والتي يفترض أن تكون محصنة من مثل تلك الأقوال والممارسات. أبدأ بمقولة، ولن أقول «حكمة»: «المساواة في الظلم عدل». لا أدري إن وجد زمان غير زماننا هذا وُصف الظلم فيه بطريقة إيجابية وحسنة فضلا عن أن نصل إلى درجة نضع فيها الظلم والعدل في نفس الدرجة كمترادفات وككلمتين بدلالة واحدة! تأمل فيها لحظة..تجاوزنا كل المسافة بين الظلم والعدل حتى أننا لا نواري في تبرير الظلم وتزيينه بل وصلنا إلى أن نصف «الظلم»، هو نفسه «الظلم»، بالعدل. ما نعرفه والمسلم به عندنا هو أن العدل وإقامته هما هدف الرسالات والشرائع وأن به تقوم الدول وتنتصر الأمم وبإضاعته تنحدر وتسقط. ويكفي أن نذكر أنه ما من فعل غيره حرمه ربنا، عز وجل الكبير المتعال، على نفسه فحبذا إذا استخدمت كلمة الظلم في مكانها فالذي نعرفه عن الظلم أنه «ظلمات يوم القيامة» ولا يختلف عنه كثيرا مثل آخر في ظاهره مقبول ولكن يستخدم في غير مكانه وهو «في النهاية لا يصح إلا الصحيح»، الصحيح هنا المقصود به الحق والنهاية عندنا هو ما يحكم به الله تعالى. فالذي نعرفه هو أن الحقوق لا تضيع عنده سبحانه وتعالى. هناك فقط يُضمن أخذ الحق لأهله وإن قُصد هذا من المثل فحبا وكرامة. في المقابل، هنا في الدنيا الذي يحكم هو قانون الغاب وأكثر من يروج لهكذا أمثال هم أصحاب النفوذ الذين لا يتوانون في استخدامها بأي طريقة في سبيل الحصول على ما يريدون والذي عادة ما يكون لمصلحة أو منفعة شخصية ولن يجدوا أفضل من هذه المقولة لتبرير أفعالهم. فآلاف الكيلومترات من الأراضي التي منحت لأشخاص قلة «صحيح»، ومئات الملايين التي سلبت من المناقصات «صحيح» وعشرات من الذين عطلت قضاياهم وهضمت حقوقهم لحفظ صورة المؤسسات والهيئات أو الشخصيات التي يطالبون بمحاسبتها «صحيح». وفي هذا السياق الكيان الإسرائيلي القائم على الأراضي الفلسطينية وما يقوم به من محاصرة واعتقالات وإذلال هو قانوني تماما و»صحيح» والأمثلة والشواهد على هذا من التاريخ كثيرة. أخيرا وليس آخرا «يعرف من أين تؤكل الكتف»، أما هذا فله أصل ومعنى واضح وفي أمثال العرب من مئات السنين، أما أن يستخدم في أروقة الجامعات واجتماعاتها وفي حث منسوبيها على الإنجاز وهم الأكاديميون والمرجعية في وضع النظم والقوانين وضمان حفظ الحقوق ووضع كل المعايير التي توصل إلى الإنجاز، فلا أعرف بماذا أعلق عليه. فكأنما الرسالة كانت كالتالي «ضعوا كل تلك المعايير والقوانين جانبا واعرفوا من أين تأتي الموافقة، وتوقع العلاوة ويأتي الترشيح ويعطل إنجاز المنافس و و و «تؤكل الكتف». فكيف لنا بعد كل هذا أن نستغرب من بعض الممارسات التي نراها حولنا. في الختام أدعكم لأبحث عن الكتف أولا ومن ثم تعلم كيف تؤكل وفي طريقي لها سأظلم وأظلم وأظلم من قد يشاركني فيها «بالمساواة» حتى أكون «عادلا» ولتسخير كل من أعرف وما أعرف للحصول على غايتي وبكل طريقة ممكنة، فلا يهم إلا أن يصح، لي أنا وجماعتي، في النهاية «الصحيح». أرجو من الله تعالى أن يعجل باليوم الذي يأتي فيه أحد أفراد هذه الأمة ويصنف لنا كتابا يجمع فيه من هذه الأمثال وغيرها تحت عنوان «أمثلة وحكم زمن الضعف».