الرأي

الجامعات والثورة الصناعية الرابعة

u0641u0648u0627u0632 u0633u0639u062f
عرفت الثورات الصناعية الثلاث بالتقدم التقني المحدد، وقدمت لنا المحركات، والآلات، والكهرباء، وأجهزة الكمبيوتر. والآن في القرن الـ 21 دخلنا في عصر الثورة الصناعية الرابعة (4IR) التي تميزت بدمج التقنيات وطمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية، وظهور تقنيات جديدة ناشئة كالروبوتات والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي والعملات الرقمية والتقنيات الحيوية وإنترنت الأشياء.

وكما غيرت الثورات الصناعية السابقة حياة البشر، ستؤدي الثورة الصناعية الرابعة لتغيير الطريقة التي نعيش ونعمل بها، وربما يتطور الأمر لتتحكم بسلوكياتنا وأفعالنا، ويرى الكثيرون أن طبيعة هذه الحقبة تختلف اختلافا جوهريا عن سابقتها، نظرا لسرعة وضخامة التغيير الذي جاءت به، كما أن الطريق للأمام ليس بالأمر السهل ولا الواضح نظرا لكون التقنيات الجديدة تأتي في مجموعة من المجالات والعلوم المتداخلة، وفيها نوع من الغموض وتشكل تحديا وفرصة ومخاطرة في آن واحد.

إن السؤال العريض الذي يطرح نفسه هو: كيف يجب علينا تثقيف أنفسنا وطلابنا ومجتمعنا وصناع القرار عن هذه الفرص الجديدة؟ والابتكار الذي جاءت به؟ وكيف نستفيد منها؟ وكيف ستؤثر على حياتنا؟ ماذا ستكون وظائفنا في المستقبل؟ خاصة أن التقدم المتسارع في مجالات: الذكاء الاصطناعي والروبوتات والمركبات ذاتية التحكم، سيجعل الكثير من الوظائف الحالية زائدة عن الحاجة! من سيراقب استخدام البيانات الكبيرة Big Data؟ كيف سيتم تسخيرها والاستفادة منها؟ كيف سيؤثر ذلك على سلوك المجتمع؟ ومن سيتخذ القرارات بشأنها؟ هذه التغييرات قادمة بسرعة وبسرعة كبيرة جدا.

وفي ظل هذا التقدم التقني اللحظي نجد على النقيض من ذلك أن الجامعات وهي المؤسسات الرئيسية في المجتمع المسؤولة عن تعليم قادة المستقبل غير معروفة بتغيرها السريع ومواكبتها لما يحدث، فإذا نظرنا إلى مؤسسات العالم سنجد أن 70 من أقدم 100 مؤسسة في العالم لم يطرأ عليها تغيير خلال الـ 500 عام الماضية تتمثل في «الجامعات»، وعلى الرغم من بعض المبادرات الجيدة لبعض الجامعات إلا أن البطء والنهج التقليدي في التغيير لدى غالبية الجامعات لهما تبعات قد لا تسمح لها بالبقاء والمنافسة.

إن المتأمل في التسلسل الزمني للجامعات، ولا سيما في الخارج يرى كيف بدأت بالعلوم الأساسية ثم تفرعت عنها الكثير من العلوم وأصبح هناك فروع تخصصية دقيقة، وظهرت مؤخرا ولأول مرة عدد من التخصصات الجديدة على سبيل المثال: تكنولوجيا النانو، الذكاء الاصطناعي، الشبكات العصبية، والتقنية الحيوية، وغيرها، إلا أن هذا الاتجاه لم يعد كافيا اليوم، فالأمور تبدو مختلفة جدا، حيث تمكن العديد من العلماء والمهندسين ورواد الأعمال ممن آمنوا بأن الابتكار يتطلب الجمع بين التعمق في تخصص واحد وبين المعرفة والدراية بعدة علوم أخرى، من اكتساب مهارات علمية وهندسية وإدارية متنوعة مكنتهم من ابتكار حلول لمشكلات يواجهها العالم ليكونوا روادا في العلوم العابرة للتخصصات، الأمر الذي يتناقض تماما مع هياكل العالم الأكاديمي الذي اعتاد على نمطية معينة في تعليمه وهيكلته الإدارية ومجالسه البحثية، ولا تزال الجامعات اليوم مليئة بالخبراء الذين تصبح مجالات خبرتهم أضيق وأضيق من أي وقت مضى

في وقت نحتاج فيه إلى التفكير الواسع العابر للتخصصات كما أسلفت، هذا الضيق في التخصص يعرقل معالجة المشاكل الكبيرة التي لا تأتي بمجرد التعمق في تخصص واحد.

إذا أردنا أن يواكب التعليم الجامعي تخصصات وعلوم هذا القرن وخدمة المجتمع عبر صناعات ووظائف المستقبل فلا ينبغي أن نقتصر على فتح التخصصات التقنية وتعليمها فحسب، وألا نخطئ بالفصل بين العلوم الإنسانية والتقنية على سبيل المثال، بل علينا أن نؤمن بأن التقنية وسيلة لتحسين الحياة من حولنا في جميع التخصصات، وليست هدفا بحد ذاتها، وأن نفهم طبيعة العلاقة بين التقنية وبين الاستخدامات والتطبيقات المختلفة للتقنية، لذلك فإن أي تركيز ضيق على تخصصات المستقبل والنظر إليها بشكل منفصل ومنعزل عن تطبيقاتها واستخداماتها سيجعلنا ضحية لنفس المشكلة بالتأكيد في نهاية المطاف، كما يجب ألا نهمل أهمية التعليم والتدريب على مهارات التفكير الإبداعي وحل المشكلات وثقافة العمل الجماعي والتعامل مع الآخرين.

Fawaz1Saad@