البلد

عن فوز الرجل فارع القول: لا يصح إلا الصحيح

u062cu0627u0633u0645 u0627u0644u0635u062du064au062d
للشعر قواعد متفق عليها ومفروغ منها، ويبقى الأمر طبيعيا طالما استخدم الشعراء هذه القواعد في صياغة تجاربهم، لكن أن نصل إلى مرحلة الوقوف أمام طرفين لا يمكن تحديد أيهما الشعر وأيهما الشاعر، وأن تتحول تجربة معينة إلى ما يشبه قاعدة شعرية، فهذا هو الأمر غير الطبيعي الذي يجعل الحديث عن فوز جاسم الصحيح بجائزة أدبية أمرا طبيعيا جدا.

مساء الثامن عشر من رمضان كان يوما آخر يقوم فيه المثقفون السعوديون والعرب بتهنئة جائزة أخرى بمناسبة حصولها على جاسم الصحيح، وهذه المرة كان الحديث عن جائزة الشعر الدولية في سوق عكاظ لعام 2018، وكان الرجل الخلوق كعادته يرد التهاني بأحسن منها، ليزيد مهمة محبيه تعقيدا في فهم كيفية إنجاز الأشياء العظيمة بكل هذه البساطة.

جاسم الصحيح، الرجل فارع القول، والمهندس الشاعر، تجربة ينحاز إليها الحياد نفسه وقد ترسخت في تاريخ الشعر السعودي الحديث كمرحلة لها سماتها ومفرداتها وأدبياتها وشعراؤها أيضا، ولم يكن هذا سوى جزء مما فعله من ابن الأحساء الذي ألغى الحد الفاصل بين وجود الإنسان في مكان ووجود المكان فيه، وحول المدن إلى ظواهر كونية، واستدعى الأساطير في مشاهد يومية، إنه الشاعر الذي يفعل الكثير من الأشياء في قصيدة فقط.

خلال ثلاثة عقود من الكتابة الشعرية التي يصفها بالنص الأسطوري، ويعتبرها إعادة لتكوين الإنسان بطريقة أكثر شفافية، كان جاسم يقول بالشعر ما يصعب على الآخرين قوله حتى بالكلام، مؤسسا لأسلوب فني يحول القصيدة من بيان شعوري مجرد إلى نص فلسفي يستخدم طاقته الفكرية في حدها الأعلى، منهيا حقبة الشعر الذي «يهززك حين سماعه» لصالح شعر جديد يهززك حين إدراكه، وهو الجدير بأن يقال له «شعر».

ومن المعالم التي لا يمكن تجاهلها في مسيرة الصحيح صاحب العلاقة الوطيدة مع الشعراء والحضور المتجدد في المشهد الأدبي، هي أنه أديب لا يمكن تحديد نصه الأعظم كما يحدث مع أغلب الأدباء، ولا يمكن التنبؤ بحجم القدرات التي يمنحها للعروض بينما يكتب، وكانت النتيجة نصا عموديا يغنيه اكتفاؤه الجمالي الذاتي عن قصيدة النثر بحجة البحث عن الدهشة، وقصائد لم تكن غزارتها تزيدها إلا تركيزا، فيما كانت نجوميته العفوية تنهي جدلا ثقافيا حول قدرة الشعر على مواجهة متغيرات العصر.

وبما أن فوز الصحيح بالجوائز في طريقه نحو التحول إلى خبر صحفي يفتقر إلى عنصر المفاجأة، وطالما أن الحديث عن سوق عكاظ، فقد يناسبنا قراءة الخبر كدليل على أن هذه التجربة الشعرية النوعية تجعلنا نقف أمام أديب تاريخي معاصر يختفي معه فارق الزمن كما ينتهي الحرج المعتاد من وضع اسمه بجانب أسماء كبار الشعراء عبر مختلف العصور. ماذا لو كان بإمكاننا ترشيح هذا الشاعر ليمثل الحقبة الراهنة في لحظة ماضية؟ كيف ستكون ردة فعل النابغة الذبياني وهو يستمع لجاسم الصحيح؟