محاربة التجار

على مر العصور كانت التجارة من المهن الشريفة التي لها احترامها

على مر العصور كانت التجارة من المهن الشريفة التي لها احترامها. حتى أشرف البشر محمد صلى الله عليه وسلم اشتغل بالتجارة قبل تلقي النبوة وكان من أنجح التجار لصدقه وأمانته. وكانت أنفع الشخصيات للإسلام والمسلمين هي الشخصيات الغنية كعثمان بن عفان وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين. فالإسلام حث على العمل والسعي للرزق وقد أجمع العلماء أن «الغني الشاكر» أفضل من «الفقير الصابر»، حيث إن الغني الشاكر نفعه متعدٍ ويصل للآخرين. وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم بالله من الفقر وغلبة الدين، وعندما ذهب إليه الفقراء وقالوا: ذهب أهل الدثور بالأجور، فعلمهم التسبيح مئة مرة في دبر كل صلاة. فجاؤوا إليه فقالوا: إن إخواننا من الأغنياء سمعوا ذلك ففعلوه، فقال: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}. منهج واضح وضعه الإسلام في الحث على العمل والكسب المشروع والاستعاذة من الفقر وإقرار من الله بأفضلية الغنى وأن هذا الفضل منه تعالى يؤتيه من يشاء. في المقابل قام هؤلاء الأغنياء بأداء حق الله في هذا المال بالزكاة والصدقة وعتق الرقاب وحتى أن وصل الحال ببعضهم أن يجهز الجيوش. الحاجة للتجار مستمرة ولا يمكن لأي دولة الاستغناء عنهم أو محاربتهم ففي الدول الحديثة يقوم التجار بكل شيء تقريبا ويبقى دور الدولة تنظيميا في سن القوانين ورقابيا في تطبيق العقوبات. فنجد أن التخصيص وصل لكل القطاعات فشركات الاتصالات والطيران تم تخصيصها وعدد المدارس والمستشفيات الخاصة تجاوز الحكومية. ولن تستطيع أي دولة استيعاب أعداد البطالة المرتفعة دون مساهمة القطاع الخاص. فالتجار والقطاع الخاص جزء لا يتجزأ من نهضة واستقرار أي بلد، بل على العكس تسعى الدول لاستقطاب كبرى الشركات وإقناع ملاكها للتواجد والاستثمار فيها. العلاقة هنا علاقة مصالح فالشركات تسعى للربح والدولة تسعى أن تساهم هذه الشركات في تنمية اقتصاد البلد وتوظيف شبابه وتدريبهم ونقل خبراتها. قد لا تكون معادلة المصالح هذه موزونة حين تستغل هذه الشركات الحاجة لمنتجاتها وخدماتها برفع أسعارها أو التقليل من جودة خدماتها، فهنا لا بد من إعادة وزن معادلة المصالح، ولكن لا يعني بأي حال من الأحوال عند وجود بعض هذه التصرفات أن نقوم بمحاربة التجار ووسمهم بالكلية أنهم استغلاليون. فحتى يومنا هذا يساهم القطاع الخاص بالنسبة الكبرى في توظيف الشباب وما زلنا نجد حتى يومنا هذا مبادرات جلية لكبرى الشركات في مجال الخدمة الاجتماعية كشركة عبداللطيف جميل ومركز الفوزان وشركة صافولا والبنك الأهلي والشيخ سليمان الراجحي الذي تبرع بأكثر من 20 مليار ريال مؤخرا للأعمال الخيرية. النظر للتجار على أنهم وحوش ومصاصو دماء غير عادل ولكنه حل مريح لوضع اللوم عليهم عند حدوث أي مشكلة.

fars.a@makkahnp.com