جدلية صيام عاشوراء
ما إن يقترب يوم عاشوراء حتى يظهر المتفيهقون والمتعالمون ويعلو صوتهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمهُ
الجمعة / 10 / محرم / 1437 هـ - 16:15 - الجمعة 23 أكتوبر 2015 16:15
ما إن يقترب يوم عاشوراء حتى يظهر المتفيهقون والمتعالمون ويعلو صوتهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمهُ وأن صيامهُ لهُ أكذوبة يؤيدها تعارض الأحاديث التي حثت على صيامه!فقالوا عن حديث صيام يوم عاشوراء بأنه موضوع! والحديث في صحيح مسلم، فلعله تبين لهم وضعه بما لم يتبين للأئمة الأربعة الذين عملوا به بل ومن جاؤوا من بعدهم من الفقهاء والمحدثين!بل وزعموا جهلا منهم أن صيام النبي صلى الله عليه وسلم له يقتضي أنه تابع لليهود وليس بمتبوع! وهذا فيه مغالطة كبيرة لأن هناك من الشرائع ما أخذها اليهود اتباعا للخليل عليه السلام وبقيت حتى مجيء الإسلام، ومنها الحج والطلاق والختان والغسل من الجنابة والعقيقة وغيرها وكذلك صيام عاشوراء. بل زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل هذا اليوم! وهذا الزعم منهم غير صحيح لأنه صلى الله عليه وسلم ندب إلى صيامه كما كان يصومه قبل البعثة لكن زاد حرصه عليه فقط عند قدومه للمدينة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه. بل وصل الحال ببعضهم فقال بالحرف الواحد بأن لفظة [لئن عشت إلى قابل ﻷصومن تاسوعاء، وعاشوراء جاء في بداية الهجرة والنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام في السنة الثانية للهجرة ومع ذلك لم يصم التاسع مع بقائه صلى الله عليه وسلم في المدينة تسعة أعوام وهذا يعني أن النبي لم يمكث في المدينة بعد هجرته إلا عاما واحدا] أهـ. فأقول هذا غير صحيح بل من الكذب والتدليس، فرواية (لئن عشت إلى قابل لأصومن .......) جاءت بإسنادها في حديث مستقل فلماذا دمج المتفيقهون حديثين مختلفين في حديث واحد؟!فهذا صحيح مسلم وصحيح البخاري بين أيديهم فليخرجوا لنا حديثا واحدا جمع بين لفظ (عندما قدم المدينة) ولفظ (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)فرواية (لئن عشت إلى قابل لأصومن...) لم تُبيّن لنا متى قالها النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بالرجوع إلى شرح الحافظ ابن حجر العسقلاني للبخاري، سنعلم الراجح أنه قالها منفصلة وقبل وفاته. فلا تعارض بين الروايات ولا بين متن الصيام عندما قدم المدينة، وبين رواية لئن عشت إلى قابل في آخر حياته. فقد كان يصومه صلى الله عليه وسلم ولا يصوم التاسع، واستمر على ذلك إلى أن جاءت السنة التي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم فقال: (لئن بقيت إلى قابل ﻷصومن التاسع) أي إنه لم يكن يصوم اليوم التاسع قبلها مُخالفا لليهود. ومنهم من احتج بأنه لم يكن بالمدينة يهود قبل وفاته لأنه صلى الله عليه وسلم أجلاهم عن المدينة إلى الشام، وهذا احتجاج ضعيف فاليهود لم يجلوا جميعا وقد كان بقية منهم لم يزالوا بها وقد مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بل كان لا يزال وجود بعضهم حتى زمن الفاروق رضوان الله عليه. وفي البخاري ومسلم أحاديث كثيرة عن صيام عاشوراء كما تقدم منها ما هو في البخاري ومنها ما هو في مسلم ومنها متقدم ومنها ما هو متأخر مما رواه ابن عباس وهو يروي بالإرسال عن الصحابة في هذه الوقائع لأنه يوم الهجرة كان عمره ثلاث سنوات فهو جمع هنا بين أكثر من حديث في لفظ وسياق واحد، جمعها كلها ورواها جملة واحدة. فهؤلاء القوم تمسكوا برواية واحدة وأخذوا يحللونها لإيجاد مخرج لهم ولم يوفقوا لذلك ولله الحمد، ثم ما حال الروايات الأخرى؟ أليس لها حظ ونصيب من التمحيص؟وقد دأب أهل المدينة والأئمة الأربعة على صيام عاشوراء، وقد قال الإمام مالك بأن عمل أهل المدينة أقوى حجة لديه من الحديث الصحيح. فصمه أخي المسلم واحتسب على الله أن يكفر عنك السنة الماضية. فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». صحيح مسلم رقم (1162).