تفاعل

قانون الشركات هل يكفي للحوكمة؟

أعمال الشركات في حالة تطور من نواح عدة، كزيادة الإنتاجية وتعزيز التنافسية، وهذا يتطلب الجهود من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية. وأهم الركائز المطلوبة لتحقيق هذه التطلعات هو العنصر البشري الذي يدير هذه العملية بعقل متفتح ورؤية ثاقبة وأهداف مبرمجة. ولذا فإن دور مجلس الإدارة يظل محوريا في هذا المنحى، وبالتالي يتم الوصول إلى الثريا أو الثرى، والأمثلة كثيرة. وفي بداية أعمال الشركات، كان بعض مجالس الإدارات لا يهتمون كثيرا ولا ينظرون لدورهم أكثر من أنه دور تشريفي. وفي الجانب الآخر، كان بعض مجالس الإدارات يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة ويحشرون أنوفهم في كل التفاصيل. وفي الواقع فإن النوع الأول ليس بأحسن من النوع الثاني والعكس، بل كانت النتائج وخيمة في الحالتين.

ومع تطور المفاهيم الإدارية الحديثة، وبسبب المشاكل التي تعرضت لها الشركات نظير نوعية مجالس الإدارة أعلاه، تم استحداث مبادئ إدارية جديدة من أهمها مبادئ حوكمة الشركات التي أثبتت فعاليتها في تحسين وتطوير أعمال الشركات لإتباعها الحاكمية المؤسسية.

إن دور القانون في حوكمة الشركات، من دون شك، من الأدوار الرئيسة، وقوانين الشركات كانت تتضمن الأحكام الخاصة بإدارة الشركات وكيفية السيطرة على الإدارة لتحسين الأداء. ومثلا فإن قوانين الشركات تتضمن الأحكام لتعيين مجلس الإدارة، وتعيين رئيس المجلس، واجتماعات الجمعية العمومية بأشكالها العادية وغير العادية، ودور كل مساهم في هذه الاجتماعات وكيفية مراقبة وتقييم وتثمين أعمال مجلس الإدارة خلال العام، مع وجود أحكام خاصة لإجازة أعمال مجلس الإدارة، وتبرئته من المسؤولية أو مساءلته ومحاسبته عن أي أعمال قام بها أو أخفق في تنفيذها. وكل هذا يبين كيفية الإدارة المؤسسية للشركات بواسطة أصحاب الأسهم.

قوانين الشركات تفسح المجال - إضافة للمساهمين - لجهات أخرى للتدخل في كيفية توجيه ومراقبة سير مجلس الإدارة للشركة، وعلى رأس هذه الجهات نجد السلطات الرقابية وغيرها من السلطات الممثلة للجهات ذات العلاقة، وكذلك في بعض الحالات يجوز للمدقق الخارجي الدعوة لاجتماع إذا رأى ضرورة ذلك من أجل حفظ حقوق المساهمين أو غيرهم من الجهات ذات العلاقة بأعمال الشركة.

إضافة لهذا فإن قوانين الشركات تضع المبادئ لضمان أموال الشركة وحسن استخدامها وكيفية مسك الحسابات وإدارة الموازنة والتدفقات المالية والإعلان عنها وفق المتطلبات المحاسبية الدولية وغيرها، وكذلك هناك مبادئ لكيفية الضبط الإداري لأعمال الشركة ومن يقوم بهذه الأعمال وكيفية قيامه بها، وكل ما يترتب على ذلك من مساءلات قانونية أو إدارية، وكل هذا يتم وفق أحكام القانون واللوائح الإدارية التي تنتهجها الشركة.

ولكن على الرغم من كل هذه الضوابط حدثت تداعيات وخروقات كبيرة بسبب سوء إدارة الشركات وتجاوز القوانين، كما قام البعض بتحويل مؤسسية الشركات إلى مصالح شخصية بسبب حب الذات والأنانية التي قادت إلى تجاوز غير الممكن، وكانت القمة في قضية شركة آرثر أندرسون العالمية للتدقيق، ومن هنا بدأ التفكير الجاد في إيجاد البدائل، ومن هنا أتت عبقرية حوكمة الشركات المتمثلة في خلق مجالس إدارة بمقاييس خاصة وأهداف معينة وإدارة مختلفة، عبر مبادئ الإفصاح والشفافية التامة مع أدوار معينة لمجالس الإدارة المختارة بعناية، ولرؤساء هذه المجالس علاقتهم مع بقية أعضاء المجلس والعمل على رفع مقدراتهم لتمكينهم من المساهمة الفاعلة في تكوين اللجان المتخصصة من المجلس لتوزيع الصلاحيات ولتوفير العمل بروح الجماعة، وأيضا فتح الأبواب والملفات للمساهمين والمستثمرين وأصحاب العلاقة وكل قطاعات المجتمع.

قامت العديد من الدول بإصدار واعتماد مبادئ حوكمة الشركات، وتم إلزام الشركات بمختلف أشكالها لتطبيق هذه المبادئ بدقة لضمان تحقيق الأهداف. ومن الناحية القانونية، نقول إن مبادئ حوكمة الشركات يجب ألا تتعارض مع أحكام قوانين الشركات التي تعتبر شعاعا لمبادئ حوكمة الشركات. هذا ويجب أن تعمل أحكام القانون ومبادئ الحوكمة في تناسق متسق ليكمل كل طرف الآخر. ومن هذا سيستفيد أصحاب الشركة ومن خلفهم أصحاب العلاقة بالشركة وكل المجتمع.