وسائلنا الإعلامية.. رجاء أوقفوا «الهياط»!
يبدو أننا نعيش عصرا مختلفا؛ فالكل يريد الظهور الإعلامي، وتجده يدفع أموالا طائلة فقط من أجل الظهور الإعلامي ونشر ما يقوم به من مباهاة تصل أحيانا إلى درجة مقيتة، في وضع مشين لا يمثل أخلاقيات وقيم أبناء هذه البلاد، ولا يمت مطلقا للقيم التي عاشوا عليها طوال تاريخهم.
الثلاثاء / 7 / محرم / 1437 هـ - 13:45 - الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 13:45
يبدو أننا نعيش عصرا مختلفا؛ فالكل يريد الظهور الإعلامي، وتجده يدفع أموالا طائلة فقط من أجل الظهور الإعلامي ونشر ما يقوم به من مباهاة تصل أحيانا إلى درجة مقيتة، في وضع مشين لا يمثل أخلاقيات وقيم أبناء هذه البلاد، ولا يمت مطلقا للقيم التي عاشوا عليها طوال تاريخهم. والكثير من الناس يسمع عن كلمة (هياط أو مهايط أو يهايط أو مهايطي) ولكن لا يعلم معناها بالضبط. ومعنى الهياط في اللغة: الصياح، قال ابن منظور في اللسان: «والهِياطُ والمُهايطةُ: الصِّياح والجَلَبة»، وما يستخدمه البعض لهذا المصطلح في أيامنا هذه ليس بعيدا عن هذا المعنى؛ فالجلبة حاضرة وبقوة في الأعمال التي يطلق عليها هذا المصطلح. ويقسّم البعض الهياط لقسمين: عملي وقولي، فالعملي هو المجازفة والمغامرة بقصد الاستعراض، والقولي هو مدح النفس بشيء لم يحدث أو ادعاء امتلاك شيء معين أو الالتزام بأمر لا يمكن القيام به أبدا. ودعونا نمرر هذا المصطلح ونستخدمه في مقال اليوم على الأقل، فهو بغيض إلى كل منصف سواء ثبت لغويا أم لم يثبت، ولكنه انتشر انتشار النار في الهشيم وبات ممقوتا بدرجة عالية. ومن المؤلم قيام بعض المسؤولين الكبار مؤخرا بأنواع من الهياط الإعلامي، فتجده يظهر ليذكر أمورا هي أقرب إلى الهياط، وإن شئت فقل السخافة، والمشاهد لا يستسيغ ذلك الظهور بتاتا. وبودي لو سأل ذلك المسؤول نفسه عن الجدوى من ذلك الظهور؛ وما القيمة من ذلك الحديث الذي لا طائل من ورائه، فالمسألة تتعلق بحب الظهور، دون النظر في الرسالة الموجهة والفائدة المجنية. ومثل هذا يفترض ألا يترك بل يحاسب ويعاقب، ولو بمنعه من الظهور الإعلامي لفترة يراجع فيها حساباته في محاولة لاستعادة احترام الآخرين. وبودي أن تقف الجهات المعنية وقفة حازمة، فالإسراف في الولائم والإسفاف في العطايا والهبات وإظهار أمور يترفع القلم عن ذكرها، تتطلب من علمائنا ودعاتنا التصدي لها وبيان حكم الشرع فيها، والمطالبة بالأخذ على يدي السفيه والحجر على أمواله، فالمال الذي وهبه الله لعبده هو في حقيقته أمانة يسأله المولى عنها يوم القيامة سؤالين عن المصدر والمصرف «من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟». وتقوم مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الجوال بدور كبير في نشر الهياط، وهي في الغالب تكون الانطلاقة لتأتي القنوات ووسائل الإعلام الأخرى لتسليط الضوء عليها ونشرها، لنظهر أمام العالم بمظهر لا يمت للتحضر بصلة، وقد شاهدت قناة تعود لإحدى دول الخليج وقد أظهرت سفيها يطعم بهائمه أوراقا مالية، وكان تعليق ذلك الإعلامي لاذعا وفيه تندر عجيب وتهكم واضح! وقناة أخرى تظهر ثريا وقد جعل من سيارته الفارهة ناقلة للأعلاف، وهو ما جعل الشركة المصنعة تعترض وتطالب بإرجاع السيارة وإعادة ما دفع من مال، والمضحك أنه أصر ورفض. وقناة تعود لبلاد شرق آسيوية تظهر مقطعا لسفيه آخر ينثر أوراقا مالية على طفل قيل إنه حفيد له.. وغيرها. مسلسل من المشاهد التي لا توافق العقل ولا ترقى لمستوى تفكير الإنسان الناضج، بل هي إلى السفاهة والسخافة أقرب، والمفترض رفضها والتبرؤ منها، فربما يظن البعض أن ديننا يقرّها وهو منها براء. وأتمنى سن عقوبات قاسية بحق هؤلاء، توقفهم عند حد معين، وإيجاد نظام تعزيري صارم ليكون رادعا لهم ولمن تسول له نفسه القيام بأعمال مماثلة. وأعلم مسبقا أن البعض ربما يقول هذه أموالهم، ولكن - كما أسلفت - المال هبة من الله وهو أمانة، ولنعلم أننا سنحاسب عنه حسابا دقيقا، وقد جاء في الحديث أن ذلك ربما يستغرق خمسمئة عام. ليت المجتمع يتكاتف ويرفض مثل هذا النوع من السخافات، وهذا سبيل من سبل إيقافها، والمهايطي إذا علم أن مقطعه لن ينتشر ولن يجد قبولا أصلا فإنه سيتوقف - قطعا- عن ذلك الإسفاف ويبتعد عن السخافات. والتوعية لها دور وأثر كبير، فالله يغار على نعمه، والعقوبة إذا حلت ستطال الجميع بلا استثناء، ولنتذكر إجابته عليه السلام للسؤال: أنهلك وفينا الصالحون؟، فقال «نعم إذا كثر الخبث». وكثير ما تذيل تلك المقاطع بدعاء «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا»، ورسالة لوسائل إعلامنا ولجميع مستخدمي برامج التواصل الاجتماعي والجوال ألا ينشروا ويتداولوا مثل هذه السخافات فهي مشينة بحق مجتمعنا وهو يتبرأ منها ويرفضها جملة وتفصيلا.