الرأي

احترت فعلا من أين أبدأ؟

شد انتباهي مقال الأستاذ حسام الشنبري «أين يذهب الشباب بعد تخرجهم؟» المنشور في هذه الصحيفة بتاريخ 20/‏‏5/‏‏2018، ولقد احترت فعلا من أين أبدأ؟ نعود بالوقت لعام 2010 إلى السنة الأولى لي في الجامعة أو كما أسميها سنة الضياع، الحصص الدراسية تحولت لمحاضرات قد تلغى أو تتأخر وهذا ما أذهلني!

الدرجات تطورت إلى نقاط تحسب كمعدل تراكمي والمعلمات تحولن إلى دكاترة لن أجدهم في الغرفة المقابلة لغرفة المديرة، والكتب والدفاتر تحولت إلى ملفات الكترونية مضغوطة! سأضطر في آخر الأسبوع لطباعتها لأصنع كتابا لنفسي. كل شيء بالنسبة لي كان أشبه باللغز، ورغم محاولات والدي في توضيح ماهية الجامعة والفروق الدراسية، إلا أن الصورة لم تتضح لي آنذاك.

ومع كل فشل قابلني في السنة التحضيرية إلا أنه كان درسا شديد اللغة أتذكره جيدا في اليوم التالي. ورغم التخبط وفشل الخطط التي رسمتها لنفسي إلا أني وأخيرا نجحت في اختيار التخصص الذي بنيت عليه آمالا عديدة. تخصصت في الكيمياء التطبيقية من كلية العلوم، وتدربت في معهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتقنية النانو، وكانت الآمال تسابق العصافير للسماء، ولكن مع الأسف اصطدمت بواقع مرير، وهو أن التخصص ليس موائما لسوق العمل، وفرص العمل ضئيلة.

حاولت جاهدة البحث عن وظيفة تلائم شغف العلوم التي أحملها من التحليل والفصل والترشيح إلى الصناعات التحويلية والصناعات الغذائية والدوائية، إلا أن الفرص قليلة جدا كأخصائية كيميائية، ومتطلبات أغلب الوظائف تتطلب خبرة في المجال نفسه لما يقارب خمس سنوات، مما أصابني بخيبة أمل شديدة. ولأخفف الألم عن قلبي قررت الاتجاه إلى القطاع التعليمي. ومع إيماني بأن أفضل طريقة للتعلم هي التعليم كي لا أفقد هذا العلم، إلا أنني واجهت صعوبة كبيرة، حيث إن شهادتي ليست تربوية، وأفتقد لمهارات طرق التدريس واستخدام الوسائل وعلم النفس التربوي، وقد أحتاج أيضا إلى معجم عربي - إنجليزي لأنني درست الكيمياء باللغة الإنجليزية!

ما زالت سياسة التعليم في المملكة تحتاج لتطوير جذري لأن العلم والمعرفة في تطور مذهل وسريع رغم الجهود المبذولة والتغير الملحوظ في مجالات علمية وأدبية عدة في مجال التعليم العالي. ولكن أعود وأتفق مع الأستاذ حسام في أن تستحدث الجامعات التخصصات والأقسام التي تناسب سوق العمل، وأن تغلق التخصصات التي لا تجدي نفعا لا للطالب ولا للوطن أيضا، وأن تجري إعادة تأهيل خريجي هذه التخصصات مع ما يواكب سوق العمل، خاصة حديثي التخرج.

وأريد أن أجيب الأستاذ الشنبري عن سؤاله «أين يذهب الشباب بعد تخرجهم؟»، تجدنا خلف المكاتب الهرمة بين الملفات والأوراق التي ما زالت رغم التطور التقني تلازمنا. خلف الطابعات التي تلتهم الأشجار بلا رحمة، خلف صناديق البيع في الأسواق، خلف أشياء كثيرة لا ترضي طموحنا ولا تقارن بطاقاتنا. ورغم كل ذلك ما زالت آمالنا تسابق العصافير إلى السماء.

afnan_pnu@icloud.com