الرأي

شهر القرآن والغفران

أطل علينا شهر رمضان بإطلالته الروحانية، شهر الخير، شهر القرآن والرحمة والغفران، شهر صلة الأرحام والتقرب إلى الباري جل وعلا، اجتمعت فيه جميع أنواع العبادات التي إن شاء الله تقربنا إلى الله زلفى.

شهر الصيام له معان كبيرة تهدف إلى تذكير النفس بضرورة الإحساس بحاجات وأحوال الآخرين، خاصة الأهل، والأرحام، والجار، وضرورة البذل والعطاء، كما أنه يعود النفس على كبح جماحها والتسلح بالصبر وضبط الرغبات الملحة والتسامح مع كل من أساء إليك والإحسان إليهم، صلة الرحم التي أوصانا بها الله سبحانه وتعالى ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في آيات وأحاديث كثيرة، فقد جاء في الحديث القدسي «أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم واشتققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته»، فهذا الحديث يحثنا على صلة الرحم ويحذرنا من مغبة قطيعتها وما تسببه لصاحبها من عقوبات وويلات في الدنيا والآخرة، أعاذنا الله منها.

في هذا الشهر الكريم تصفد مردة الشياطين، تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم، في الجنة باب اسمه الريان لا يدخله إلا الصائمون، فإذا دخلوا أغلق ولم يدخله غيرهم، الواجب علينا أن نتحسس أحوال أهلنا وأرحامنا، بل وجيراننا لأن لهم حقا علينا لقوله تعالى «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا». آية عظيمة تحث على البذل السخي في سبيل الله وأن الله سوف يوفيك الأجر والمثوبة. وعلينا أن نتعهد كتاب الله العزيز بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، هذا ليس في رمضان فقط، بل طوال العام، علينا أن نتدبر أحكامه وتعاليمه لنزداد من نفحات النور العظيم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان تحريا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، قال عز وجل «إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين»، وأن نقبل على طاعة الله وذكره ملتمسين مزيدا بكل ما يعود علينا من نفع وخير، ويستحب إخراج الزكاة في شهر الخير والرحمة لمستحقيها والذين لا يسألون الناس إلحافا، لنحمل عن كاهلهم أعباء الحياة ولنمسح دموع الحزن والبؤس عن المعوزين واليتامى والأرامل، لنكون إخوة متحابين يستشعر الواحد منا الآخر، وهذا أمر حث وأكد عليه الشارع الحكيم وجاءت به رسالة السماء.

هذا الشهر كما أسلفنا شهر العبادات والطاعات إلا أن الكثيرين يعتبرونه شهر أكل وشرب، وقد بصل الأمر إلى الإسراف والتبذير، ثلاثة أرباع موائدنا تهدر هباء ويتم رميها في الحاويات. إننا سنسأل عن هذا الإسراف وهدر المال، حيث نرى في الأسواق التجارية ومحلات الجملة كيفية الشراء، مناظر يندى لها الجبين، ترى العربات في صفوف متراصة تحمل المواد الغذائية، بعضها يستخدم وكثير منه تنتهي صلاحيته بسبب تخزينه ثم نسيانه، تقول الآية الكريمة «كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين»، ناهيك عن ما يتم شراؤه من أطعمة قبل الإفطار، رغم أن ربة البيت عملت اللازم ولا حاجة إلى أي طعام آخر، إنه نهم البطون. إن هذا المال الذي بين أيدينا علينا أن ننفقه على الوجه الصحيح لأن الله سوف يحاسبنا عن الإسراف والتبذير الذي لا طائل منه وأن نعرف أن هناك من يعيش بيننا لا يجد سد حاجته، ناهيك عن أن فقراء المسلمين في كثير من أنحاء المعمورة في حاجة ماسة للمال الذي يهدره البعض في شراء ما يزيد عن حاجته.

تقبل الله من الجميع الصيام والقيام وجعلنا إن شاء الله من المقبولين ومن شرفوا وحظوا بليلة القدر، وأدام الله على بلاد الحرمين الشريفين الأمن والأمان وحفظ المولى حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد، ونصر الله رجالنا رجال القوات المسلحة في الحد الجنوبي ورحم عز وجل شهداءنا الذين يدافعون عن الوطن.