لماذا يفشل وزراء الصحة واحدا تلو الآخر؟
خلال الثلاثين سنة الماضية ظلت وزارة الصحة من الملفات المزعجة لمتخذ القرار السياسي، حيث يوفر لها كل الإمكانات، من دعم ومؤازرة وبنية تحتية وميزانية بالمليارات، ومع هذا كله، يظل المستهلك النهائي- المواطن والمقيم- غير راض عن خدماتها، ولهذا يروي المرحوم غازي القصيبي في كتابه الشهير (حياة في الإدارة) قصة توليه دفة وزارة الصحة، حين كان في رحلة بالطائرة مع الملك فهد، عليه رحمة الله، فكان الملك الراحل يقلب في ملفات وزارة الصحة منزعجا، والتفت لغازي وقال: أتعبتني وزارة الصحة
الاثنين / 29 / ذو الحجة / 1436 هـ - 14:00 - الاثنين 12 أكتوبر 2015 14:00
خلال الثلاثين سنة الماضية ظلت وزارة الصحة من الملفات المزعجة لمتخذ القرار السياسي، حيث يوفر لها كل الإمكانات، من دعم ومؤازرة وبنية تحتية وميزانية بالمليارات، ومع هذا كله، يظل المستهلك النهائي- المواطن والمقيم- غير راض عن خدماتها، ولهذا يروي المرحوم غازي القصيبي في كتابه الشهير (حياة في الإدارة) قصة توليه دفة وزارة الصحة، حين كان في رحلة بالطائرة مع الملك فهد، عليه رحمة الله، فكان الملك الراحل يقلب في ملفات وزارة الصحة منزعجا، والتفت لغازي وقال: أتعبتني وزارة الصحة..وفرت لها كل سبل النجاح، ولا زال أداؤها أقل من المأمول، ما رأيك يا غازي أن تتولاها! وفعلا أصبح وزيرا للصحة، رحمه الله. وكثرة التغييرات خلال السنوات الأخيرة لوزارة الصحة خير دليل على أن متخذ القرار غير راض على مستوى أداء الوزارة، حتى إنه استعان أخيرا بإدارة الأعمال لإزالة بيروقراطية الإدارة العامة! وفي نظريات (التعيين) للإدارات العليا لأي مؤسسة، حكومية كانت أو قطاعا خاصا، هناك مدرستان كبيرتان في هذا الشأن: المدرسة الغربية في تعيين مسؤول يأتي من خارج المنظمة تماما، وهذا التوجه له من علماء الإدارة من يدعمه، وهناك قصص نجاح، ويندرج تعيين معالي وزير الصحة الجديد تحت هذه المدرسة، لأنه أتى من شركة أرامكو. في المقابل هناك المدرسة اليابانية في ضرورة أن يكون المدير الجديد أو الوزير من داخل المنظمة. وهذا يعني أن يكون من يتولى دفة القيادة من داخل المؤسسة ليفهم دقائق الأمور، وتفاصيل اللعبة، وإدارة الصراعات، والالتواء على البيروقراطية وغيرها. وتأتي شركة تويوتا كأكبر شركات العالم التي تؤمن بهذه النظرية وتطبقها بحذافيرها. في تقدير العبد الضعيف، يستطيع الوزير الحالي عمل نموذج (هايبرد) يكون خليطا بين المدرستين، قد يغير قوانين اللعبة، ويضيف للعالم نموذجا إداريا جديدا، وفكرته بكل بساطة أن يعمل على خطين في الوزارة: الأول أن ينشط مفاصل الوزارة ببعض الفاعلين والمميزين من القطاع الخاص، ليتولوا بعض المراكز الجوهرية بالوزارة، ويكون معه جيل يتفهم خلفية إدارة الأعمال بجميع تفاصيلها من نظريات (السيقما) الست إلى بطاقة الأداء المتوازن في تطوير الأداء!على الخط الآخر يفترض بوزير الصحة الخلوق أن يضع مركزا يرتبط به مباشرة لخلق قيادات شابة يتم تدريبها داخل مطبخ الوزارة، لتولي مناصب كبرى بالوزارة في نهاية المطاف، ولتحقيق أكبر نسبة من الفائدة المرجوة يعتمد النظام التدريبي العملي، فيجعل منهم مساعدين للقيادات الكبرى في الوزارة ليعرف كل شاب ثقافة المؤسسة وطبيعة العمل من جهة، بالإضافة لإخضاعه لبرنامج تدريبي مكثف لصناعة القيادات، يكون بالتعاون مع جهة عالمية مشهود لها في هذا المجال. بهذا الخليط يصبح الوزير الحالي هو «المخلص» لوزارة الصحة، ويُحدث طاقمه نقلة نوعية وقيمة مضافة ومثالا يحتذى للجهات الحكومية الأخرى. وزير الصحة أمامه خيارات صعبة جدا: يكون أو لا يكون..يحدث التغيير المنتظر ببرنامج نوعي لصناعة القيادات، أو ستكون الفاتورة باهظة يدفعها وطن بأكمله.