مكارم الأخلاق
في القرآن الكريم هناك أكثر من عشرين موضعا تفصل وتحث على مكارم الأخلاق..
الاحد / 28 / ذو الحجة / 1436 هـ - 14:00 - الاحد 11 أكتوبر 2015 14:00
في القرآن الكريم هناك أكثر من عشرين موضعا تفصل وتحث على مكارم الأخلاق.. والله سبحانه وتعالى قال ممتدحا رسوله الكريم (وإنك لعلى خلق عظيم)، والحبيب المصطفى، عليه الصلاة والسلام، يقول شاكرا «أدبني ربي فأحسن تأديبي». فقد كان النبي، صلوات ربي وسلامه عليه، القرآن خلقه.. وكان قرآنا يمشي على الأرض، والصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، كانوا يرون أن القرآن - إلى جانب كونه معجزة تحدث العرب بلغتهم - كان دستور عملهم الذي ارتضاه الله لهم، وكانوا يحفظون الآية من القرآن، ولا ينتقلون لغيرها حفظا إلا بعد العمل بها وتطبيقها على حياتهم اليومية تعاملا وإيمانا وتصديقا. واليوم أحببت أن أورد بعضا من الآيات الكريمة التي تحث على مكارم الأخلاق، والتي قال عنها، عليه الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ولم يقل، وهو الذي لا ينطق عن الهوى: لقد جئتكم بالأخلاق، ولو فعل لفُهِم أن الأمة التي بعث إليها لم يكن لديهم أخلاق، فقد كانوا وهو، عليه الصلاة والسلام من أبناء هذه الأمة.. يكرمون الضيف، ويغارون على المحارم، ويلتزمون بالكلمة والوعد ويوفون بالعهد.. ولقد جاء اختيار الله تعالى لهذه الأمة لأنها موطن للأخلاق، وتربة صالحة لغرسة الإيمان والإسلام. فبعثه من وسطها بعد أن شهدت له كلّها بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق. وكم كنت وما زلت أتعجب من ذلك النفر منا الذين لا يزالون يضربون الأمثال الغربية والشرقية، إنجليزية أو صينية، وكتاب الله تعالى بيننا مليء بالمواعظ والحكم والأمثال التي يضربها الله للناس لعلهم يتذكرون. وما زالت بحمد الله سنة محمد، عليه الصلاة والسلام، سارية في عروقنا تجري منا مجرى الدم، وهو القائل «تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي». أعجب لمن يضرب مثلا لسائل لعطاء أو معونة «لا تعطني سمكة ولكن أعطني سنارة وعلمني الصيد» ولو استخدم حادثة الفأس لكفته ووفت. حينما جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، في المسجد طالبا العون والمساعدة.. فسأله، عليه الصلاة والسلام.. إذا ما كان يملك شيئا من حطام الدنيا في بيته، ولما جاء به، عرضه النبي الكريم على الصحابة وأقام مزادا في المسجد حتى تم بيعه بدينارين، فقال للرجل: خذ دينارا فاشتر به طعاما لأهلك، والآخر اشتر به فأسا واحتطب، ولا تأت المسجد إلا بعد جمعتين. وهكذا فعل وفتح الله عليه. ومن هنا نحن مطالبون بأن نغوص في أعماق إرثنا السماوي والمحمدي لننهل من منابعه الصافية والشافية، ما يطفئ لظى حاجتنا للإرشاد والقيادة.. بلوغا لمكارم الأخلاق. ولقد تضمنت سورة الإسراء الكثير من الآيات والمواقع التي تحث على مكارم الأخلاق، وتؤكد أن الإسلام دين عمل والتزام، من أجل حياة يسودها الوفاء والأمانة والتواضع.. وينظمها عدم الإسراف دون بخل، مع شرح مفصّل محكم لحسن التعامل مع الناس، وإيضاح فضل برّ الوالدين وصلة الأقارب والأرحام. ويمكن لعشاق الأمانة والوفاء بالعهد، القراءة بدءا من الآية الرابعة والثلاثين من سورة الإسراء ليزدادوا وفاء لعهودهم، ويزدادوا تمسكا بأماناتهم، مرورا بالآيات التي تليها حتى الآية السابعة والثلاثين: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) – 34 – (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا) – 35 – (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) – 36 - (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) – 37. وأشهد أن هذه الآيات الأربع وحدها لو طبقها بكامل معانيها ربع المسلمين لصلح حال الأمة كلها. فهي نصوص وافية شافية لعلاقات الناس الإنسانية والمالية والأخلاقية. فيها الرحمة والعناية والحفاظ على مال اليتيم، وفيها التأكيد على مسؤولية العهد والوفاء به، سواء كان عهدا لله أو لأحد من الناس.. وفيها الدعوة إلى إتمام الكيل بالميزان السوي فذلك أحسن مآلا. وفيها النهي عن تتبع (ولا تقف) ما ليس لك به علم، وفيه إعلام وإعلان عن مسؤولية السمع والبصر والقلب وماذا فعل بها صاحبها. وفيها نهي عن الكبر والخيلاء، وفيها التأكيد على أن أحدا لن يخرق الأرض ويثقبها حتى يبلغ آخرها بكبره وخيلائه.. وأنه لن يصل إذا فعل طولا كالجبال، فكيف تختال.. وهو أمر صريح بالتواضع وحسن السلوك والتعاطف وحسن التعامل مع الناس لتزداد علاقات الإنسان بقومه متانة ولتشتد رسوخا وسلاما وتكاملا. وفي الآيتين من نفس السورة واللتين سبقتا هذه الآيات الكريمة ورد الأمر الإلهي العظيم، بإعطاء ذوي القربى حقهم من البر والصلة، وشمل الأمر المسكين وابن السبيل، وورد النهي صريحا عن التبذير، وقرن بين المبذر والشيطان وجعلهما أخوين، فالشيطان شديد الكفر لأنعم الله وكذلك المبذر. ولو وعى أصحاب الولائم والاحتفالات والأعراس هذه الآيات، لما امتلأت صناديق النفايات بأطنان ما يلقى بها من بواقي ترفهم وإسرافهم. وكأنهم نسوا قول الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين). ونعود إلى الآية التاسعة والعشرين من سورة الإسراء ذاتها والتي تحدث التوازن بين الإسراف والتقتير أو البخل (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). وفي سورة النساء هناك ستة مواضع تتحدث عن مكارم الأخلاق في القرآن الكريم، هذا القرآن العظيم الذي هو دستورنا ومنظم حياتنا وعلاقاتنا بيننا وأنفسنا وبيننا والآخر أيا كان دينه أو ديانته. وهناك في سورة الحجرات خمسة مواضع تتحدث عن هذه المكارم والأخلاق والقوانين السماوية التي أوحى الله بها إلى أرضه وخلقه.. وقد ورد بعض من ذلك في سور أخرى مثل آل عمران – الشورى – المائدة – البقرة – التوبة – الحجر – الأنعام – المطففين – النحل – الممتحنة – الحشر. وقد أعرضها لنفسي ولكم، إن منحني الله ما يكفي من الصحة والعمر، فكتابنا وسنة حبيبنا، عليه الصلاة والسلام، هما قمة الأمر، ومعجزة الدهر، وعلينا أن نتناولهما بكل إيمان وفخر.