فاتن محمد حسين

مشروع مكة الذكية للأغذية.. والإفادة من مخلفات المجازر

الجمعة - 18 مايو 2018

Fri - 18 May 2018

لم يكد ينتهي الملتقى العلمي الـ 18 لأبحاث الحج والعمرة والزيارة، والذي قدم خلال يومين مجموعة من الأبحاث والدراسات التطويرية لتوظيف العلم في حل مشكلات الحج والعمرة والزيارة، حتى أطلقت فعاليات منتدى مكة الاقتصادي تحت شعار «من الرؤية إلى الإنجاز» بتاريخ 20/‏‏8/‏‏1439هـ، ثم في اليوم التالي تم افتتاح ملتقى «مشروع مكة الذكية للأغذية» بالعكيشية. وكل ذلك لتكون منطقة مكة المكرمة مركزا اقتصاديا عالميا وموردا استراتيجيا - غير النفط - لتحقيق رؤية 2030م.

ومشروع مكة الذكية للأغذية سينبثق عنه ظهور مدينة صناعية تعد أحد أكبر الاستثمارات العملاقة في مكة المكرمة، بمساحة 303 ملايين م2 لتكون حلقة عالمية، ومصانع للمواد الغذائية، وثلاجات، ومستودعات، بأساليب عصرية وتكنولوجية متقدمة. هذا المشروع تقوم عليه 5 جهات اعتبارية، هي: وزارة الحج والعمرة، ووزارة الشؤون الإسلامية، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وإمارة منطقة مكة المكرمة مع أمانة العاصمة المقدسة.

ومن خلال البث المباشر لمنتدى مكة الاقتصادي، تابعت إحدى جلسات أعمال المنتدى، وكان من أبرز المتحدثين فيها وزير الحج والعمرة الدكتور محمد بنتن، حيث ألقى الضوء على أهمية الاستثمار في مواسم الحج والعمرة، والأفكار التطويرية التي نحتاجها لاستغلال الأماكن المقدسة وكل ما يتعلق بمكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن ضمن اقتراحاته الطريفة «حتى لو بيع بترول المملكة أو (هواء مكة أو المدينة) في زجاجات. حيث تفعل هذه التجارة في بعض المدن العالمية وتبيع ذلك في مطاراتها والناس يقبلون على شرائها»!

وحقيقة أتفق معه بأن الاستثمار في مكة المكرمة نهر جار لا ينضب معينه.

وهنا لا بد أن أشير إلى موضوع هام، وهو لب القضية في موضوعي اليوم، وهو الاستفادة من مخلفات المجازر في مواسم الحج. ففي ورقة العمل التي قدمت في الملتقى العلمي الـ 18 لأبحاث الحج والعمرة بعنوان «دراسة تجريبية للتخلص الآمن من مخلفات المجازر السائلة خلال موسم حج 1438هـ» والتي قدمها الدكتور عصام مرسي ومجموعة من الباحثين، تم التطرق إلى المخاطر البيئية والصحية في وادي «فج الحرمان» الذي تصب فيه المخلفات الصلبة والسائلة الناتجة من مشروع المملكة للإفادة من لحوم الهدي والأضاحي التابع للبنك الإسلامي للتنمية. واقتراح نموذج تجريبي للتخلص البيئي الآمن من تلك المخلفات، خاصة السائلة، وإعداد مردم صحي هندسي على أسس بيئية سليمة، حيث يتم التخلص من مخلفات الذبائح واللحوم المعدمة وفقا للشروط والضوابط العالمية. وقد أكدت الورقة أن معظم المسالخ لديها أيضا محرقة لإتلاف المخلفات الصلبة.

حقيقة دراسة صادمة، أين نحن من الاستثمار في هذه المشاريع الحيوية الهامة؟ والتي قد تدر علينا الملايين من الريالات، فالمخلفات الناتجة عن ذبح الحيوانات ثروات هائلة لمعالجة مشكلات التنمية والجوع والفقر. وبحسب الورقة فإن هناك 750 ألف ذبيحة لعام 1438هـ أتلفت جميع أحشائها الداخلية من الكبد، والكلاوي، والرؤوس، هذا فضلا عن الجلود والشعر، والحوافر، والصوف، والقرون. فإذا كان هذا يتكرر كل عام ومنذ عشرات أو مئات السنين، سندرك حجم الخسارة الفادحة التي تعرضنا لها، والتي مع الأسف لم نكن من الذكاء والفطنة والحنكة بما يكفي لإيجاد صناعات متقدمة لاستغلال هذه الثروات! بل حتى الدم السائل والعظم تقوم الدول المتقدمة بتحويلهما إلى مسحوق كعلائق للحيوانات - أعزكم الله - وتعلبه للبيع في الأسواق العالمية والتي تستهلك منها القطط والكلاب في منازلنا.

فأين نحن من الاستفادة من تلك المخلفات لزيادة المردود الاقتصادي والاستفادة من البروتينات والدهون والجيلاتين في شتى الاستخدامات الصناعية؟ ومنها استخدام الجيلاتين لتغليف الأدوية، والجلود لصناعة الحقائب والأحذية وغيرها.

المشكلة أن هذه الدراسة العلمية الحديثة معتمدة على دراسة سابقة، وهي «الدليل الإرشادي لطرق الاستفادة والتخلص من مخلفات المسالخ 1429هـ»، وهي صادرة من كالة وزارة الشؤون البلدية والقروية - الإدارة العامة لصحة البيئة إدارة المسالخ. فإذا كانت الدراسة موجودة منذ عشر سنوات، وتوضح طرق الاستفادة من المخلفات الصلبة وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية أو على الأقل استخدام طرق أخرى لحماية البيئة من التلوث ولم تطبق حتى الآن! لماذا لم ندرك حجم الخسارة التي نتعرض لها، ولماذا تبقى الدراسات على رفوف المكتبات؟!

لذا نتمنى أن تكون هناك مبادرات فاعلة في مشروع «مكة الذكية للأغذية» والاستفادة من معطيات مخلفات الذبائح في الحج وتحويلها من عبء بيئي إلى قيمة اقتصادية مضافة؛ لنحقق الاستثمار الأمثل، ولتكون مكة المكرمة الأولى اقتصاديا على مستوى الشرق الأوسط، وفق مواصفات عالمية وتقنيات حديثة.

Fatinhussain@