عبدالله محمد الشهراني

ماذا يعني مات أبي؟

الأربعاء - 16 مايو 2018

Wed - 16 May 2018

أي إننا فقدنا رجلا أحب الفرح وأحب الناس، أي غاب من كان يملك القدرة على إدخال روح الدعابة والفرح إلى أي مجلس يتواجد فيه. رجل أحب البساطة والوسطية كحال أغلب أقرانه في ذلك الجيل، كانوا يمتلكون عقيدة قوية متجذرة، فلم تؤثر عليهم لا القومية ولا الصحوة ولا العلمانية ولا الإخوانية ولا أي فكر يساري أو يميني متطرف. ولد في مكة المكرمة في منزل الشيخ عبدالله الخليفي إمام وخطيب المسجد الحرام، وعاش على قمتي جبل أجياد «المصافي» في مكة المكرمة وجبل لبنان في أبها.

مات أبي، أي إنني لن أسمع مجددا بعد تقبيل يده عبارة (تعال فين رايح ... هات بوسه). مات أبو عبدالله، أي إن عبدالله لن يسرق بعد الآن (الحلاوة الطحينية «أبو نار» أو بسبوسة «الطازج» من تحت السرير) خوفا على صحته، مسروق ذكي وسارق فاشل لا يستطيع السيطرة على إيماءاته (كاد المريب أن يقول خذوني). مات أبي، أي إن موزع الجريدة سوف يكتشف بنفسه أن القارئ قد مات، فلقد تراكمت الصحف داخل الصندوق دون أن يكترث بها أحد، ولن يقرأ بعد اليوم أبو عبدالله مقال عبدالله. مات الحبيب، أي لن يتصل بي «المدريدي» ليذكرني بمباراة برشلونة وريال مدريد (تعال عشان أفرح بهزيمتك أنت ومسي). أي لن أطرد مجددا من غرفته بسبب إصراري على أن المصارعة الحرة مجرد تمثيل!

ماذا يعني مات أبي؟ يعني أن رمضان سوف يكون حزينا، لا نعلم كيف سيكون منظر السفرة في أول يوم، هل سوف يبكي المؤذن معنا؟ أم سوف تبكي «السقدانه» لفقد محبها؟، رباه.. كم ستكون السفرة خالية! وكيف سيكون حال مصحفه الشريف في غرفته، ومكانه في التراويح وكرسيه في المسجد؟ سوف يفتقده معارفه في مؤسسة النقد وفي البنوك فالجد مات وذهبت معه «العيديات»، وفي العيد.. كيف سيكون شكل العيد؟ سيظل «مشلحك» يا سيدي قابعا في الدولاب وعقال تاجك معلقا خلف الباب. رباه.. آمنا بقضائك ولا اعتراض عليه، لكنها لحظات عصيبة فاجبر كسرنا وارحم ضعفنا أمام هذه المصيبة.

مات أبي، أي لن تكون أمي - بمشيئة الله - بمن حولها وحيدة، لكنها في الحقيقة سوف تكون وحيدة، فمن يسد فراغ العشير، فهي الحبيبة التي أوصى بها أولا قبل بناتها وهو في العناية المركزة، (أمك يا عبدالله وأشار بيده إلى عينه)، لا يذكر عند الموت إلا الحبيب، فلم ينس قبيلته وجماعته فأوصى بهم (ورمز إليهم بدائرة)، وتذكر حبيبه وكاتم سره وسأل (فين خالك)، وعند رؤيته تبسم ضاحكا في المشفى وعند نزعه. مات أبي، لنكتشف خلال أيام العزاء سر خروجه من المنزل وقت الظهيرة رافضا المرافقة لكي يرعى نساء يسكن بيتا ليس لهن فيه سوى الله، ونجد أيضا أنه قد ساهم في إنشاء مدرسة لتحفيظ القرآن في إحدى القرى النائية.

كم أنت يا أبي مبارك، كانت جنازتك كما تمنيت .. صلاة فجر وقبر بجوار أمك.

إنا لله وإنا إليه راجعون

• الاسم محمد بن عبدالله آل ثروان الشهراني

• ولد في مكة المكرمة عام 1361 هـ

• والدته رحمة عسيري

• زوجته آمنة بندقجي

• له ابن وخمس بنات

• عمل في (جريدة أم القرى، المديرية العامة للمرور، وزارة الزراعة والمياه)

• توفي في مكة المكرمة عام 1439هـ

ALSHAHRANI_1400@