صلاح صالح معمار

حتى المجنون يفكر!

الاحد - 06 مايو 2018

Sun - 06 May 2018

نعم هذه حقيقة: حتى غير العاقل يفكر بما أنه يستجيب للمثيرات التي حوله! أنا وأنت وهو نتعرض لمثيرات يومية تمر عبر مرشحات الإدراك الخمس لدينا، وبعدها نقوم بالاستجابة المناسبة لهذه المثيرات بناء على ما نملك من إدراك وخبرات وتجارب ومعارف ومهارات.

وعليه فالاستجابة الحاصلة حتمية وتصدر من طفل صغير أو حتى شخص غير عاقل! ولكن الاختلاف في نوعية الاستجابة ومدى عمق ونضج هذه الاستجابة. ولن يكون المقال عن الجنون، وإنما كان مدخلا فقط، وللمزيد هذه فرصة لدعوتكم لقراءة كتاب ممتع جدا ومفيد للمؤرخ البريطاني روي بورتر بعنوان «موجز تاريخ الجنون».

ولكن فكرة مقال اليوم تتلخص ببساطة أننا لو ركزنا على الأحداث من حولنا سنجد أن معظمها متشابه ووقعت لأشخاص مختلفين وحصدت نتائج مختلفة! والاختلاف هو بسبب نضج الاستجابة! فعلى سبيل المثال يخرج محمد وعبدالله في الصباح الباكر متجهين إلى أعمالهما ويقابلان في طريقهما شبابا يقودون بطريقة متهورة، مما تسبب بالاصطدام بالأستاذ محمد وعبدالله، وصاحب هذا الحادث تطاول لفظيا! والنتيجة هي أن محمد يتواجد في السجن وعبدالله يتناول طعام العشاء مع أسرته!

الفرق هو استجابة محمد المتهورة لنفس المثير الذي تعرض له عبدالله! لذا لعلنا نتفق أنه من الطبيعي أن الجميع يفكر ويستجيب، ولكن ليس الجميع لديه جودة في الاستجابة والتفكير! والجودة في التفكير مطلب سأتحدث عنه في مقالي القادم، ولكن في مقالي هذا سأركز على أبرز 4 فروق بين استجابة المفكر وغير المفكر.

1. استجابة متأنية لا فورية:

الاستجابة الفورية غير المدروسة في الغالب هي استجابة متهورة تؤدي إلى نتائج غير مرضية. لذا المفكر يأخذ وقته في الحكم واتخاذ القرار، لأن الوقت كفيل بأن يضع جميع العوامل في عين الاعتبار، ويقلل من احتمالية الندم أو التراجع.

2. استجابة مبنية على أدلة لا إشاعات:

الاستجابة لكم الشائعات والمعلومات المغلوطة والبيانات الضخمة غير الموثقة يجعل من استجاباتنا استجابة شخص غير عاقل! لذا من الحكمة عدم الاستجابة إلا بناء على أدلة قوية وبيانات حقيقية، ويمكن العودة إلى مقال سابق لي بعنوان «حتى البينات تكذب» للحذر من كم المعلومات التي تصلنا مع هذا الانفجار المعرفي، والتي معها نبني استجابات خاطئة تربك حاضرنا ومستقبلنا.

3. استجابة عقلية لا انفعالية:

عندما تجد شخصا منفعلا فاقدا صوابه هو يمارس استجابة مجنونة لا تصدر من عاقل، لذا لا يهم أن يكون الشخص مجنونا بالفعل أم لا لأن النتيجة واحدة! الاستجابة التي صدرت منه هي نفس الاستجابة التي يمكن أن تصدر من شخص غير عاقل فاقد الأهلية! لذا الحذر واجب من الاستجابة وقت الانفعال لأنها حالة متهورة تجعل من أحكامنا وقراراتنا أكثر تهورا، وبالتالي نحصد نتيجة متهورة.

4. استجابة مدروسة لا عشوائية: الاستجابات المبنية على الانطباعات وعلى الرغبات في الغالب هي استجابات عشوائية نتائجها عشوائية، قد تنجح تارة وقد تفشل تارة! ولكن الاستجابات المدروسة القائمة على الاستخارة والاستشارة والدراسة والفحص والتحليل هي في الغالب استجابات ناضجة، وتحصد نسبة رضا أعلى حتى لو لم تكن النتائج مرضية، لأن الرضا مصدره سيكون أننا أخذنا بجميع الأسباب لجعل الاستجابة أفضل.

استجابة المفكر = متأنية + مبنية على أدلة + عقلية + لا عشوائية

S_Meemar@