عبدالله المزهر

السعودية ثانيا!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 24 أبريل 2018

Tue - 24 Apr 2018

السعودية أولا، هذا أمر مفروغ منه ويبدو من البدهيات التي يفترض أنها معلومة لدى الجميع دون حاجة لترديدها بين الفينة والأخرى، لكن المشكلة أنها معلومة لدى من لا يملك أن يفعل شيئا، فجموع العاطلين يعلمون ويؤمنون ولديهم يقين ثابت وراسخ أن السعودية أولا وأخيرا وما بين ذلك، لكن المشكلة أن كثيرا من الشركات «الوطنية» لا تملك نفس الإيمان ولا ذات المعتقد.

وهذا أمر يشبه قصة المريض الذي كان يعتقد أنه حبة قمح وأن الدجاجة تطارده لتأكله، ثم استطاع طبيب مختص بأمور الدجاج والقمح أن يقنعه بأنه إنسان وأن تخيله أنه حبة قمح مجرد وهم، ولكنه قبل أن يغادر غرفة الطبيب استفسر عن أمر مهم وجوهري: لقد اقتنعت أني لست حبة قمح لكن من يقنع الدجاجة؟!

نحن مقتنعون بأن السعودية أولا لكن من يقنع الشركات والمؤسسات الكبرى بذات الأمر؟!

ومشكلة هذا الشعار أن الناس فيه بين تطرفين، فهناك من ينظر إليه على أنه شعار عنصري وهناك من يتحمس كثيرا معه لدرجة أنه لا يريد أن يشاهد أي إنسان غير سعودي في أي مكان، ويعتقد أن كل شعوب الأرض مجرد لصوص أتوا إلينا بهدف السرقة. وليكون الأمر أكثر وضوحا فإني أفهم أن السعودية أولا تعني «مصلحة السعودية أولا»، وقد يكون من مصلحة السعودية وجود كفاءات وخبرات متميزة وغير سعودية، وهذا أمر مطلوب ولا مشكلة فيه ولا غضاضة.

هناك فارق لا شك بين استقطاب الكفاءات المتميزة وبين أن تكون الوظائف العادية التي لا تحتاج لخبرات ولا مواهب خاصة واستثنائية مشغولة بغير أبناء البلد. وأعني بالبلد هنا أي بلد في العالم سواء السعودية أو غيرها، يبدو الأمر مضحكا أن يكون مسؤول الموارد البشرية في شركة سعودية غير سعودي.

ومن خلال تجربة خاصة في البحث عن وظيفة لأحد أشقائي فإن السواد الأعظم من الذين أرسلت لهم سيرته الذاتية غير سعوديين. وللعلم فإن أخي ليس خبيرا في الصواريخ الاستراتيجية ولا أحد علماء الذرة الذي تحتاج قراءة سيرته الذاتية إلى مجموعة من الخبراء الأجانب، هو متخصص في إدارة الأعمال، أي أنه ـ حسب وجهة نظري ـ أولى بالعمل في السعودية من كثير من الأشقاء الذين طلبوا منه إرسال سيرته الذاتية إليهم ليروا أمر توظيفه من عدمه.

وعلى أي حال..

الوسطية والاعتدال ليسا حكرا على الشأن الديني فقط، إنهما أمران جميلان في كل شيء، وحين يرفع شعار السعودية أولا فإن هذا يعني أن هناك من يأتي ثانيا، ولا يعني بالضرورة الإقصاء والعنصرية وشتم شعوب الأرض. هم لم يأتوا من تلقاء أنفسهم، واللوم لا يقع عليهم بل على السعودي الذي يعتقد بأن «السعودية ثانيا».

@agrni