أمل السليم

التعليم التفكيري

الاثنين - 23 أبريل 2018

Mon - 23 Apr 2018

«إن قناعتي الفلسفية هي أننا لم نأت لإبقاء العالم كما هو، جئنا إليه من أجل إعادة تشكيل العالم، علينا أن نغير الواقع». باولو فريري.

تغير الواقع الذي نادى به فريري لن يتحقق إلا عن طريق التعليم الذي يبني مبدعين ومبتكرين ومفكرين، لا موظفين فقط.

ولكن أي نوع من التعليم؟ وكيف؟!

التعليم الذي يشحذ قدرة المتعلم على التفكير والتغيير والحوار هو التعليم الذي نحتاجه في نظامنا التعليمي اليوم، حيث يتم فيه تبادل المعلومات والأفكار بين المعلم والمتعلم، فيتعلم كل منهما من الآخر.

وهذا المنهج مخالف تماما للمنهج الذي أسماه فريري «التعليم البنكي» أو «تعليم المقهورين» أو ما نعرفه بالتعليم التلقيني، وهو يتعامل مع المتعلمين وكأنهم آنية أو حسابات بنكية فارغة يتم تخزين المعلومات فيها من قبل المعلم «المودع»، وعلى قدر امتلائها يكون تفوقها، فالمعلم هنا يقوم بإيداع المعلومات في أدمغة المتعلمين بدون تشغيل لهذه الأدمغة، بل تعطيلها عن أي تفكير أو تساؤل لتتمكن من الاحتفاظ بالمعلومات وإخراجها في الامتحان.

فالتعليم البنكي يعطل دور المتعلم ويجعله سلبيا، وهو بذلك يخرج قوالب متكررة وموحدة من المتعلمين، والنتيجة جيل غير قادر على التغيير والدفاع عن نفسه ومجتمعه، وهنا يكون عرضة للانحراف والتطرف.

ولعلنا نجد صورا لهذا التعليم في واقعنا العربي إلى الآن مع الأسف في اعتماد طريقة التعليم التلقيني الذي يخرج روبوتات، إذ يهيمن فيه المعلم، ويفرض أفكاره ومعلوماته على المتعلمين، وكل ما عليهم تلقي المعلومة وترديدها بدون الاستفسار عنها، والاحتفاظ بها بدون وعي للمضمون، فهم بمثابة بنوك يودع فيها المعلم المعلومات فيكبرون وقد اعتادوا على عدم التفكير أو التحقق من المعلومة، وهذا ما يحدث أزمة في التعليم. وإن كان هناك تجدد وتنوع في الأساليب التعليمية والأنشطة التي من المفترض أن تخرج عن الطرق التقليدية في إعطاء المعلومة للمتعلم فليس من المهم كمية الاستراتيجيات التعليمية المستخدمة، ولكن الأهم هو نوعية هذه الاستراتيجيات والتطبيق الصحيح لها، واستخدام ما يناسب من أساليب التعلم والتعليم، والتي تجدد مهارات وأفكار المعلمين الذين يفترضون في الموقف التعليمي أنهم هم مصدر المعلومة التي يجب أن يتلقى المتعلم منه معلوماته، ولا يخالف نهجه.

الطالب ليس وعاء عليك ملؤه! بل شعلة عليك أن توقدها! (آينشتاين).

وأخيرا، علينا الآن كتربويين مواطنين التخلص من الطريقة التقليدية القائمة على التلقين اللا واعي التي تسمح للمتعلمين بقبول الدور السلبي والتبعية، مما يقلل من القدرة النقدية والإبداعية لديهم، فيجعلهم فريسة سهلة الانقياد لأي تيار متطرف، وضرورة تطبيق أساليب حديثة ملائمة تصل بالمتعلمين إلى الحرية وتغيير الواقع لبناء مجتمع المعرفة.

فلننهض سويا بتعليمنا نهضة تربوية، وتعليمية، وأخلاقية لجيل قادر على إنتاج المعرفة من أجل ديننا، وأنفسنا، ومجتمعنا، ووطننا.