فاتن محمد حسين

الهيئة العامة للثقافة.. المعاصرة والدور الرائد

الاحد - 22 أبريل 2018

Sun - 22 Apr 2018

لقد استبشر الوسط الثقافي الأدبي بصدور الأمر السامي الكريم بتشكيل مجلس إدارة (الهيئة العامة للثقافة) برئاسة وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد، وذلك في 6/‏4/‏2018م، وقد شمل المجلس شخصيات ثقافية، وأدبية، وإعلامية رفيعة المستوى، حتما ستصل بالثقافة السعودية إلى آفاق رحبة في جوانب إبداعية متنوعة، والانتقال بها إلى العالمية، بعد أن ظلت حبيسة المحلية لعقود، في ظل أنظمة الأندية الأدبية ولوائحها التي حصرت تفاعلها المجتمعي بالمحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية والقصصية.

وقد أعقب التشكيل اجتماع لاحق وسريع من الوزير العواد بالمجلس؛ لمناقشة استراتيجية التطوير في القطاع الثقافي وتعزيز الرسالة الثقافية والفنية، وإبراز المواهب الإبداعية الشابة، والتغلب على التحديات والعقبات لتطوير هذا القطاع.

وحقيقة فإن تأخر تنفيذ لائحة الأندية الأدبية الجديدة، والصمت، وغياب الشفافية أوجدت حالة من التوجس والقلق من المثقفين والأدباء نحو مصير الأندية الأدبية، ودورها في ظل ظهور الهيئة العامة للثقافة؟ وهل ستلغى أو ستحول إلى مراكز ثقافية؟ وما هي الهيكلة الجديدة لأعمالها؟ لتلافي السلبيات التي كانت تشوبها، فقد انتابت بعض الأندية الأدبية فترات ركود وعزوف من المجتمع المحلي لحضور أمسياتها الأدبية.

ولعل من أهم أسباب ذلك أنها كانت تعيش في برجها العاجي متمسكة بلقاءاتها الأدبية النقدية العلمية المحضة، والتي لا يهتم بها سوى نخبة محدودة من أساتذة وطلاب كليات اللغة العربية وآدابها، فالنخبوية الأكاديمية في تلك الأندية عزلتها عن المجتمع، خاصة مجتمع الشباب الذي أصبحت له لغته وأدواته التعبيرية لإبراز مشكلاته، فالشباب يمثل الآن نحو 70% من الشعب السعودي، ولا بد من إبراز مواهبه الإبداعية الأدبية والفنية من خلال الفنون المسرحية، واللقاءات التفاعلية على المنصات الالكترونية ومقاطع الأفلام القصيرة، وغيرها من الأدوات التي تستهوي الشباب وتدمجهم في المجالات الثقافية المتنوعة.

كما ترفض الأندية الأدبية مثلا إقامة المسرحيات باللغة الدراجة وحجتها في ذلك المادة الرابعة في لائحة الأندية الأدبية القديمة، وهي: «نشر الأدب باللغة العربية الفصحى» وهي إشكالية كبرى، فكيف بمسرحية تريد إيصال الصوت للمجتمع كله، ويتحدث الممثلون باللغة العربية الفصحى؟ اللغة العامية أو الدارجة هي جزء من ثقافة المجتمع ولا يمكن تجاهلها! كما أن الكوميديا تتطلب غالبا أن تكون باللهجة السائدة حتى تحقق الرسالة الثقافية أهدافها.

ولعلي أذكر هنا مثالا لتعاون (الهيئة العامة للثقافة) مع المسرح الوطني البريطاني في مجال الإنتاجات الرائدة National youth theatre في مطلع مارس الماضي، حيث وقعت الهيئة مذكرة تفاهم لتفعيل الأيام الثقافية السعودية في لندن بمشاركة الموهوبين من الشباب والفتيات في المملكة العربية السعودية. فحتما هذه الفعاليات الثقافية تستخدم اللغة الدارجة؛ لأن اللغات العالمية تتطور، وتصبح اللغة السائدة هي لغة الفنون والتواصل بين الشعوب. نحن نفتخر بلغتنا العربية الفصحى ولا بد أن نعلمها لأبنائنا، ولكن ذلك في مجالات التقارير الإعلامية، والحوار العلمي، والكتابة للمؤلفات العلمية والأدبية.

وإذا كانت الدراما الأوروبية موجودة منذ عصر النهضة وترعرعت منذ أكثر من نصف قرن في الشام ومصر وبعض الدول العربية الأخرى فقد آن الأوان لتفعيلها في السعودية بطريقة احترافية وعلى المسرح، خاصة بوجود عضو المجلس المسرحية الرائدة الدكتورة مايسة الصبيحي، لتحويل الروايات السعودية الهادفة إلى مشاهد مسرحية تعكس ثقافة المجتمع وإبراز حقيقة الدين الإسلامي وقيمه ومبادئه، وإيصال رسائل لشعوب العالم، وهو ربما ما عجزنا عن عمله عن طريق المحاضرات والندوات، فالتقبل غير المباشر للأفكار ربما أسهل بكثير من المناظرات العلمية الجادة.

ما نريده هو أن تهتم الهيئة العامة للثقافة بإبراز الفنون الثقافية، ومنها المسرح السعودي ودعم التنوع الثقافي وإثراء المشهد بكل المكونات التراثية التي هي جزء من الهوية السعودية، وتصديرها للخارج لتعريف الشعوب بثقافة وتراث وحضارة هذا البلد، ومد جسور التواصل مع الشعوب الإنسانية عن طريق الثقافة بحسب رؤية 2030م.

كما أن دعم الأندية الأدبية أو تحويلها إلى مراكز ثقافية أمر ضروري، خاصة التي أصبحت تفتقر للتمويل والسيولة اللازمة لإكمال مبناها الخاص، مثل: نادي مكة الثقافي الأدبي الذي ينتظر المجتمع المكي كله أن يتحقق الحلم باكتمال مبناه وتفعيل أنشطته، بما يتناسب مع مكانة مكة المكرمة العالمية، فيشتمل على كل القاعات والصالات المسرحية والتقنيات الفنية، فقد عجز مع الأسف أبناء مكة عن دعمه، كما فعل أحد أبناء الباحة الذي دعم النادي بـ16 مليون ريال لإكماله! فهل يتحقق حلم أهالي مكة في إيجاد هذا الصرح الثقافي؟