تعزيز الحوار ودعم مناخ التعايش

السبت - 21 أبريل 2018

Sat - 21 Apr 2018

تصدرت المملكة خلال الأيام القليلة الماضية اهتمامات وكالات الأنباء العالمية والصحف ومواقع الانترنت، خلال زيارة رئيس المجلس البابوي للحوار بين أتباع الأديان في الفاتيكان، جان لويس توران، وهي الزيارة التي أسهمت في تقديم صورة جديدة عن بلادنا، تختلف عما ظلت بعض وسائل الإعلام الغربية والعديد من الجهات المشبوهة تروج له، عن رفض المملكة للحوار، والأكاذيب الممجوجة عن مناخ التعنت والتعصب الذي يسود فيها، وأظهرت بجلاء أن هذه البلاد التي تعتز وتفتخر وتباهي بأن شرفها الله وجعلها مهبط وحيه، وأكرمها بأن جعل فيها بيته العتيق ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم، لا ترفض الحوار مع الآخر، ولا تدعو إلى إقصائه، وتحرص على إظهار الصورة الحقيقية للدين الإسلامي، وأنه دين الوسطية والاعتدال الذي يرفض التعصب والعنف والإرهاب، ولا يرغم الآخرين على الدخول فيه، ويدعو أتباعه للتعايش مع أتباع الأديان الأخرى، ويحرم الاعتداء عليهم أو مصادرة أموالهم.

يدرك المنصفون الذين ينظرون للأمور بعين التجرد والعدل أن القيادة السعودية أقرت مبدأ الحوار مع الآخر منذ وقت طويل، ودعت أتباع الأديان الأخرى لزيارة هذه البلاد المباركة، وأقامت المؤتمرات والندوات المشتركة معهم في بلادهم، وحاورتهم في رئاسة الفاتيكان، وأنشأت لذلك مركزا متخصصا في الأمم المتحدة، تكفلت بتمويله بالكامل، وأولته عظيم عنايتها واهتمامها، كما يولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أهمية كبرى لدعم الحوار وتشجيع الانفتاح على العالم الخارجي.

كل ذلك ينبع من قناعة بأن الانكفاء والانعزال والتقوقع أول المداخل لظهور آفة الإرهاب والتطرف والعنف، وأن العالم الذي بات قرية صغيرة في هذا العصر يتفاعل كل سكانه ويقدمون ما لديهم من حضارة وتراث ومدنية، ويأخذ كل منهم من الآخر ما يتوافق مع قيمه وموروثاته، ولا يتصادم مع دينه وثوابته.

هذه الرؤية الصائبة تنبع من إيمان عميق وبصيرة ثاقبة، وتدعمها حقائق ثابتة، تؤكد أن الذين يقفون خلف العمليات الإرهابية التي شهدتها بلادنا فيما مضى، وما زالت تعاني منها عدد من دول المنطقة والعالم أجمع، هم الذين يقفون خلف دعوات العزلة، ويصورون كل انفتاح على الآخرين على أنه نوع من الاستلاب الثقافي والتبعية للغرب، إلى آخر تلك الألفاظ الجوفاء التي لم يعد لها وجود في عالم اليوم، حتى أصوات الخفافيش التي ارتفعت في بعض وسائط التواصل الاجتماعي، رفضا لزيارة المسؤول البابوي للرياض، والتي لم يجد من أطلقوها الجرأة على الظهور العلني، واكتفوا بالاختباء وراء أسماء مستعارة ومسميات وهمية، لم تعد تلفت انتباه أحد، اللهم إلا من باب السخرية. فنحن جزء من كل، نؤثر في محيطنا القريب وعالمنا كله.

ولتعزيز تلك المفاهيم أنشأت المملكة مركز اعتدال لمكافحة الإرهاب وتعزيز قيم الوسطية والتعايش، وقد قام المركز خلال الفترة الماضية بتنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات التي هدفت لمقارعة أرباب التطرف ورموز الإرهاب، وفندت دعاواهم الباطلة، ورد عليهم بتغريدات عدة بلغات العالم الحية، مما استجلب إشادة خبراء محاربة الإرهاب في العالم، ودعاهم إلى زيارة المملكة، والوقوف على ما يجري في المركز، والتعرف على الفريق العامل فيه، بل إن عددا من الدول الغربية طلبت المساعدة في نقل تلك التجربة الرائدة إليها، والمساعدة في تنوير شبابها، ولا سيما الذين ينحدرون من دول إسلامية، بأصل الإسلام وحقيقته ومبادئه العظيمة. وهذا النجاح يؤكد حقيقة مهمة، وهي أن أبناء هذه البلاد أكفاء بالقدر الذي يمكنهم من إجادة كل عمل، وقادرون على التعبير عن أنفسهم ومجتمعهم.