محمد أحمد بابا

ناصح ونصحان

السبت - 21 أبريل 2018

Sat - 21 Apr 2018

في حالة إحباط شديدة وتذمر كبير، خطر على بالي قول ربي على لسان نبي من أنبيائه: (ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) لأحاول أن أفهم:

- أن قوله (لكم) قابع في المشاعر نحو حب الخير وتقديمه مختلف تماما لو قال (نصحتكم) المشعرة بالفوقية والوصاية، وما في (لكم) من خلاصة النية الحسنة الخالية من أي شوائب (المراوغة) و(اللف والدوران) يجعلني هادئ ردات الفعل.

- أن كره الناس (للناصحين) ليس منصبا على المتبادر للذهن من كرههم لمن يوجههم حيث الخطأ، لأن ذلك طبيعة البشر التي تأنف العلو في القول ولو كان صدقا، بل هو منصب على كره هؤلاء القوم (للناصحين) الذين يقدمون مواد صفاء غير مختلطة بأي رغبات أخرى، بمعنى أنه ليس لهم فيها مآرب غير ما قالوه لهم، فالنصح التخلص من المخالط.

حينها تمتمت: أن الناس في بعض مجتمعات لا تحب (وحدة) المعنى ولا الاتجاه ولا الموضوعية ولا المباشرة ولا صفاء المرآة ولا العفوية ولا الصراحة ولا الشيء في مكانه ولا التصرف وفق المتبادر للذهن، لذلك لا يحبون (الناصحين).

كن ذا 15 وجها، وافعل الخير لنيل شرور، واصدق ليكذبوا، وتورع لتذنب، وقل خيرا في وعاء شر، ودافع عن حقوق أنت سالبها، ولا تدع لأحد مجال معرفة طينتك، وراوغ واركب كل موجة، وأكثر من (السيلفي) ووسط لكل شيء حتى لشفط بيارة منزلك، وسافر ولو بقرض بعد إشاعة خبر أنك مدعو لمؤتمر دول العشرين.. سيحبونك.

سبحان ربي الذي علم نبيه حكمة تستقر في نفسه من شديد إحباط أن قومه كذبوه.

واللافت في الأمر أن وحدة المادة تغري الكيميائيين للوصول لأصل التكوين، ومن ثم بداية عصف إضافات ليخرجوا للعالم ترتيبات علم كانت غائبة، لكن وحدة الفعل الخالصة من أي إضافات لا تغري الناظرين دون فلافل ممجوجة.

- حين تكون داعية من غير (لقافة) سياسية فأنت في الطريق الخطأ.

- حين تكون طبيبا من غير (لقافة) فتوى ودعوة ووعظ فأنت في الطريق الخطأ.

- حين تكون متطوعا من غير (لقافة) تدريبية وزعم ريادة عمل فأنت في الطريق الخطأ.

- حين تكون فنانا من غير (لقافة) سفارة للنوايا الحسنة فأنت في الطريق الخطأ.

- حين تكون تاجرا من غير (لقافة) فلسفة في كتابة يومية عن الطقس فأنت في الطريق الخطأ.

- لا يمكن تصديق أنك تبذل جهدا جيدا ما لم تكن ساعتك بـ (ألف ريال).

- لا يمكن أن تفتح لك أبواب مستحقة ما لم ترض بأن يلتهم نجاحك غيرك.

- لا يمكن أن تصل لبعض بغية مشروعة ما لم تكن في قائمة جهات اتصالك نجوم.

كل ذلك لأنهم لا يحبون (الناصحين).

الغريب أن كلمة (نصحان) عند الأردنيين تعني (سمين)، وعند ذاك ربطتها فقلت: يبدو أن الناس كذلك لهم نظرة في حب السمنة، وكلمة (ناصح) عندهم بمعنى ذكي، والناس لا يحبون الأذكياء إلا حين يراوغون.